ما منظومته (جوسلين) التي عرفت أيام صدورها منذ مائة عام أعظم ظفر أدبي يمكن تصوره فتكاد تنسى اليوم إلى جانب منظومات وروايات أخرى للامارتين؛ ذلك أنها لم تكن خير ما نظم من حيث الصناعة والصقل، ولكنها كانت من أبدع ما نظم من حيث الروح، والقوة، والطابع الغنائي.
وجوسلين قصة شعرية كبيرة في أكثر من ثمانية آلاف بيت، وكانت حسبما يريد ناظمها أول قسم من ديوان شعري ضخم يسمى (الرؤى) وبطلها جوسلين وهوفتي يتيم وولد قروية فقيرة، حملته ظروف الأسرة على الالتحاق بمدرسة الكهنة على رغم إرادته؛ وكان ذلك أيام الثورة، فلم يلبث أن طرد من المعهد قبل إتمام دروسه؛ وعندئذ فر إلى الجبال ليتقي المطاردة التي كان يعرض إليها رجال الدين يومئذ، وعاش في كهف في الجبال، وعطف عليه راع كان يمده خفية بالطعام والشراب.
وفي ذات يوم رأى جوسلين شيخاً وفتى يطاردهما القتلة فتقدم لعونهما، وأسلمه الشيخ فتاه، ولكن لم ينج من رصاص لقتلة فخر قتيلاً، بينما التجأ ولده ناجياً إلى كهف جوسلين.
وعاش جوسلين مع هذا الفتى الحدث في وئام وحب أخوي؛ ولكن حدث ذات يوم أثناء هبوب العاصفة أن جرح الفتى، ولاحظ جوسلين دهشاً مرتاعاً، أثناء العناية به، أن يعني بفتاة لا بفتى، فعندئذ هام جوسلين بالفتاة (لورانس)، وأخذ يحلم بالاقتران به.
ولكن الدهر لم يلبث أن فرق بينهما. ذلك أن جوسلين دعاه أسقفه ومربيه وهو على أهبة الموت ليقوم له بالواجبات الأخيرة، ولم ير جوسلين بداً من قبول التضحية، فهرول إلى الأسقف، وقام بواجبه. وفي أثناء ذلك تركت لورانس العنان لأهوائها وغدت فتاة خاطئة، ودارت الأيام دورتها، فالتقى جوسلين ثانية بلورانس يطلب إليها الصفح ويحمل إليها الغفران.
تلك هي خلاصة (جوسلين) والمعروف أنها صورة لقصة واقعة بطلها راهب من أصدقاء الشاعر يدعى الأب (دومون)، كان من رجال الدين أيام الثورة، فعهد إليه ذات يوم أحد أصدقائه الأشراف بصغرى بناته لكي ينقذها من خطر السجن والإعدام فهام كل منهما بالآخر، وأثمر الحب ابنة سميت الآنسة ميلي؛ وعاش القس محترماً مبجلاً يزاول مهنته