العربية. لهذا وجه إلى ابن سبعين عالم صقلية وفيلسوفها في ذلك العهد أربعة أسئلة متعلقة بقدم العالم، والمقولات العشر وما وراء الطبيعة في غايته ومبادئه، وطبيعة النفس. وهذه الأسئلة تلخص تماماً المشاكل الهامة التي كانت تشغل المفكرين عامة وتلاميذ أرسطو على الخصوص في ذلك العصر. وقد أجاب عليها ابن سبعين إجابة موسعة مستفيضة بحيث ضمنها كل مذهبه وآرائه الخاصة؛ وفي مقدور من يرجع إليها معتمداً على بعض المصادر الأخرى أن يكوِّن فكرة كاملة عن نظرياته الصوفية والفلسفية. ولسنا هنا بصدد هذا العرض المطول؛ وسنكتفي بأن نشير إلى ما يتصل منه بموضوعنا. فالله في رأي ابن سبعين أصل العقول المنصرفة في الكون، صدرت عنه بمحض الفيض والأنعام، والعقل الفعال وهو أحدها يدير شؤون الأرض ويمد الكائنات بصورها النباتية، فهو مصدر النفوس البشرية على الإطلاق؛ وإذا كانت النفوس صادرة عنه فهي ميالة دائماً إلى الاتصال به؛ ولا يحول دونها وذلك إلا أدران الجسم وشهواته. فإذا ما تفرغ الإنسان للدراسة والنظر فاز بالمعرفة الكاملة والحقيقة المجردة، وسما إلى درجة العقل الفعال.
هذه النظرية، كما نرى، تكرار حرفي لما قاله الفارابي وابن سينا، وصاحبها نفسه يصرح بأنه أرسطي كسابقيه من فلاسفة الإسلام وإن كان ينقدهم نقداً مراً. وقد بنى تصوفاً عقلياً على أساس فلسفي فهو على طريقة الفلاسفة؛ وفيما يتعلق بمشكلة الجذب والإلهام يخيل إلينا أنه أميل إلى الفلاسفة منه إلى الصوفية؛ فهو يرفض الحلول والاتحاد اللذين ذهب إليهما الحلاج ويقصر السعادة على مجرد اتصالنا بالعقل الفعال وارتباطنا به ارتباطاً روحيا معنوياً.
فتصوف السهروردي وابن سبعين مؤسس على دعائم فلسفية. وفي رأيهما أن الكائن الممكن يستلزم كائناً آخر واجب الوجود بذاته ليمنحه الوجود ويفيض عليه بالخلق والإبداع. وهذا الكائن الواجب الوجود هو لله جل شأنه؛ فهو موجود أزلاً بنفسه ودون حاجة إلى أي موجد آخر وإلا امتدت السلسلة إلى ما لا نهاية. والكائنات الأخرى جميعها مظاهر لعلمه وإرادته، ومنه تستمد الحياة والوجود؛ فوجودها إذن عرضي وبالتبع. وعلى هذا ليس ثمة إلا كائن واحد موجود حقيقة وضرورة، بل هو الوجود كله، والكائنات الأخرى لا تسمى موجودات إلا بضرب من التوسع والمجاز. هذه هي نظرية وحدة الوجود التي اعتنقها جماعة من