ماذا تحته: إن فيه نصاً على أن أبا الطيب لم يلقب بعد بالمتنبي ولم يعرف في الكوفة، وإذا شئنا الدقة في التعبير قلنا إنه لم يبلغ أهل الكوفة أمر هذا اللقب، فيجوز أن يكون لقب به في الشام ويجوز ألا يكون. وليس في خبر الناشئ شيء آخر غير هذا. وبيان ذلك أن أبا الطيب ادعى النبوة للأعراب ثم سجن ثم أطلق وانتهى أمره ونسيه الناس، ثم حصل في الكوفة سنة ٣٢٥ وحضر مجلس الناشئ فتى في الثانية والعشرين؛ ولما عاد إلى الشعر واتصل بالأمراء وبسيف الدولة وناوش الناس وناوشوه، وصاول الشعراء وصاولوه، وتفاقم الشر بينه وبين الناس نبشوا تاريخه - وهو هناك معروف - فأذاعوا منه هذه الزلة التي كانت في حداثته وتعلقوا بها وسار له في الناس هذا اللقب:(المتنبي).
لهذه الأسباب - وهي للقارئ معروضة - لم أجد في كلام الأستاذ شاكر (مقنعاً به من القوة ما يقف لهذه الروايات الصحيحة) وأظن أني أبنت له - كما أحب هو - وجود الضعف في قوله، وسواء علي وعلى الحق: أستبرأ الأستاذ من قوله أم لا. ولا بد أن يكون القارئ شعر بحرصي على وزن كلامي حرفاً حرفاً، وأني لم أسرف ولم أرسل القول على عواهنه. وقد عجبت كل العجب من الأستاذ - وهو الناقد الأصولي الفنان - حين لم يدر لم اختصرت حديث اللاذقي؟ إذ أن الأمر ظاهر، فإن الزيادات التي أهملتها يرفضها العقل ويكذبها الواقع، ولم تكن ثمة حاجة لأدل القراء على سبب إهمالها لأن تهافتها بين. وكثير أن تجرد عليها حملة كالتي نزل بها الأستاذ الميدان فخصص لها صفحتين من كتابه القيم. وهو يعلم - حفظه الله - أن من أدلة الوضع عند المحدثين مخالفة الواقع والمعقول كما هو مستوفي يكتب مصطلح الحديث. وأنا أستحيي من شرح هذا في مجلة (الرسالة) على رغم أن الأستاذ لم يجد بأساً في أن يعرفنا أن الخبر ما يحتمل الصدق والكذب، وأن وأن. . . الخ الخ مما يدرسه الطلاب المبتدئون. وأنا قد عملت بما أعرف من أصول البحث والتمحيص من دون أن أمن على قرائي. أما أستاذنا الفاضل فقد ملأ رده من مثل هذه الألفاظ: رواية، دراية، أصول نقد. . الخ وكلامي وكلامه أمام القارئ، وله وحده أن يحكم أين الرواية والدراية والأصول حقيقة لا ادعاء، وما التهويل بمغن عن أحدنا فتيلاً.
كنت أتوقع أن يتحفنا الأستاذ بالبراهين التي سوغت له رد الروايات فلم يفعل. أقول لم يفعل لأن أقواله:(رفضناه ورددناه وأسقطنا الثقة به والاعتماد عليه)، (إن هذا الخجل الذي