متأخر، فإن البسطامي هو أول من قال بها. ثم جاء الجنيد والحلاج فرفعاها إلى عنان السماء. وهذه النظرية أدق شيء في التصوف الإسلامي، وقد قسمت إلى طائفتين: طائفة تقبلها وأخرى ترفضها. والقرآن لا يشير إليها مطلقاً بعبارة صريحة، بيد أن أنصارها لم يعدموا الحيلة في دعمها ببعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي نستطيع أن نذكر منها قوله تعالى:(ونحن أقرب إليه من حبل الوريد)(وهو معكم أينما كنتم)(ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سدسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم) وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي: (ما تقرب إلى المتقربين بمثل أداء ما افترضت عليهم، ولا يزال العبد يتقرب إلي بالنوافل حتى يحبني وأحبه. فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ويصره الذي يبصر به).
بيد أن الاتحاد الصوفي يؤدي إلى الاشتراك في ذات البارئ جل شأنه وحلول اللاهوت في الناسوت. وقبول شيء إلهي في داخل العبد معناه الوحدة الربانية. وكل الخلاف بين الأشاعرة والمتصوفة يتلخص في هذه النقطة. فالأشاعرة لا يقبلون أن ينزل الإلهي في الإنسان ولا ن يصعد الإنساني إلى الإلهي، ويرفضون ضرورة مذهب الحلول وإن كانوا يسلمون بالتصوف في جملته. إلا ن التصوف عندهم مقصور على وصف بعض الأحوال النفسية ودراسة الأخلاق العملية التي تسمو بالمرء إلى درجة الكمال دون أن تدعي الوصول إلى حلول الحلاج المزعوم. ومن هنا خرجت الصوفية المحافظة وانقسم المتصوفون إلى معتدلين ومتطرفين، وليس هذا التقسيم بالجديد في العالم الإسلامي ولا في كل المدارس التي تسودها نزعة دينية. وإنا نلاحظ في مختلف الدراسات الإسلامية - لا فرق بين التوحيد والفقه والتصوف - أن هناك شعبتين متميزتين: شعبة السنيين وشعبه المبتدعين، أو شعبة المحافظين وشعبة الأحرار. وإذا كان الغزالي هو أكبر خليفة لأبي موسى الأشعري في نصرة مذهب أهل السنة الكلامي هو بحق مؤسس التصوف السني. وكأنما أخذ على عاتقه نصرة أهل السنة على طول الخط ومحاربة أهل البدعة كيفما كانت فرقهم ونحلهم، فلاسفة كانوا أو باطنية، متصوفة كانوا أو متكلمين، حلاجيين كانوا أو معتزلة، وقد آذت حملته الفلاسفة والمتفلسفين بقدر ما أخذت بيد أهل السنة من الكلاميين. أما التصوف السني فهو تقريباً واضع أصوله وقواعده ومبين طرقه ووسائله في إحياء