إذا نحن سميناك خلنا سيوفنا ... من التيه في أغمادها تتبسم
وبجانب تلك النباهة غير المستأهلة أو المبنية على غير أساسها الصحيح، خمولٌ ما كان أحق أصحابه بالذكر والتمجيد، ولقد قال البحتري:
إذا أرت الدنيا نباهة خامل ... فلا ترتقب إلا خمول نبيه
ولعله هو خير من يعلم كم أخملت الدنيا بنباهته من شعراء، حين وفقه الحظ دونهم إلى الاتصال بالولاة والخلفاء.
فمن أفذاذ الخوارج أمثال قطري بن الفجاءة وشبيب بن يزيد من كانوا أسمى غرضاً وأشرف شعراً ونثراً من معاصريهم المداحين ولكنهم أخمل منهم ذكراً. ومن الأبيات السائرة المجهولة القائلين ما تشمل حكمة يقصر دون مداها أشباه بشار وأبي نواس، أو تحوي نسيباً تزري روعته بكل ما لُفق في صدور المدائح من نسيب مصطنع، أو تعبر عن شاعرية صحيحة ما كان أحرى صاحبها أن يتوفر على إثراء اللغة بفيض قريحته، ولكن طوفان تلك العوامل القاسية غمره ورفع غيره، فمن تلك الآثار الشاردة قول القائل:
أهابك إجلالاً وما بك قدرة ... علي ولكن ملء عين حبيبها
وما هجرتك النفس أنك عندها ... قليل ولكن قل منك نصيبها
وقول الآخر:
إذا زرت أرضاً بعد طول اجتنابها ... فقدت صديقي والبلاد كما هيا
فأكرم أخاك الدهر ما دمتما معاً ... كفى بالممات فرقة وثنائيا
ولم يخلُ الأدب الإنجليزي من آثار الإجحاف وتقلُّب الظروف: فأمام شعرائه شكسبير لم ينل في حياته مثل ما له اليوم من مكانة، وخمل ذكره بعد مماته أجيالاً، وعلا شأنه خارج إنجلترا قبل أن يعلو فيها. وقريعه في سماء الشعر الإنجليزي ملتون قضى أواخر حياته في غمرة من النسيان لإنخذال مذهب المطهرين الذي كان هو لسانه الناطق، وباع ملحمته الذائعة الصيت لورّاق بدراهم معدودة، وظل حقبة مهملاً. وكبير النهضة الرومانسية وردزورث قضى زهرة عمره منبوذاً مُعرَضاً عنه. وبعكس ذلك سما تنيسون في حياته إلى أوج الشهرة والإعجاب، ولم يكد يقضي نحبه حتى هبط ذكره وانصرف الجيل التالي عن