أخذ الصوفية حظاً من علم الدراسة فأفادهم هذا الحظ من ناحية انه أظهرهم على الأحكام الظاهرة للعبادات فعلموها وعملوا بها. ثم تميزوا على غيرهم من علماء الدين بعلم آخر خاص بهم قاصر عليهم هذا العلم هو علم الوراثة. وعلم الوراثة هو علم العالم الزاهد المنقى الذي فقه الدين فقها أبان له عن قواعده وأصوله بحيث يتعرف المعنى الحقيقي للدين. وليس الدين شيئا آخر غير الانقياد والخضوع فهو مشتق من الدون. وكل شئ تضع فهو دون. فعلى هذا يصبح الدين عبارة عن أن يخضع الإنسان نفسه لربه وينقاد لما أمر به. وأفضل مراتب العبادة الفقه في الدين، فمن كان أفقه في الدين وأعرف بأصوله كانت نفسه أسرع اجابة وقلبه أشد انقيادا لمعالم الدين وأصوله.
فأنت ترى من هذه الملاحظات التي ذكرها السهروردي في هذا الباب أن علم الشريعة قد انقسم إلى قسمين متمايزين: قسم اختص به الفقهاء وأهل الفتيا للأحكام العامة والعبادات والمعاملات. وقسم اختص به الصوفية وأهل الباطن اشتمل على ما يتعلق بهم من مراقبات ومحاسبات، ورياضيات ومجاهدات، وأحوال ومقامات. وما إلى ذلك من الأمور الكثيرة التي نراها منبثة في تضاعيف علومهم ومعارفهم. كتب الفقهاء كتبهم فدونوا فيها الأحكام التي استخلصوها من القرآن والحديث. وكتب الصوفية كتبهم فدونوا فيها مكاشفاتهم ومواجدهم التي انتهوا إليها عن طريق القرآن والحديث، ولكن هناك فرقاً بين فقه الفقهاء وتصوف الصوفية. ذلك أن الفقه هو علم الأحكام الظاهرة للعبادات والمعاملات على حين أن التصوف هو علم المواجد القلبية، والرياضات النفسية، والأحكام الباطنية. وإذن فقد سمي الفقه بعلم الظاهر وسمي التصوف بعلم الباطن.
ويظهرنا مؤلف (عوارف المعارف) بعد ما قدم على كيفية نشأة الشر وكيف أصبحت النفس مأوى لهذا الشر وكيف امتازت نفوس الأنبياء والأولياء على نفوس غيرهم. فذكر هذه القصة التي تتلخص في أن الله بعث جبرائيل وميكائيل ليقبضا قبضة من الأرض فلما أبت بعث عزرائيل فقبضها، وكان إبليس قد وطيء الأرض بقدميه فأصبح بعضها بين قدمين وبعضها الآخر بين موضع أقدامه. ومن هذه المواضع التي مستها أقدام إبليس خلقت النفس فصارت مأوى للشر. ولكن هناك جزءاً من الأرض لم تصل اليه أقدام إبليس ومن هذا الجزء أصل الأنبياء والأولياء. ولما كانت ذرة رسول الله موضع نظر الله من قبضة