للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

عزرائيل لم يمسسها قدم ابليس، ولهذا لم يصبها الجهل، وانما كان رسول الله على العكس موفور الحظ من العلم، والنور، ومن هنا بعثه الله تعالى بالعلم والهدى فانتقل هذا العلم من قلبه إلى القلوب، وانتقل هذا، الهدى من نفسه إلى النفوس. ومن هنا كانت العلاقة بين رسول الله وبين الذين دعاهم إلى الأخذ بما بعثه الله به. وبعبارة أخرى كانت هذه العلاقة بنسبة طهارة الطينة. فمن كان أقرب مناسبة بنسبة طهارة الطينة كانت نفسه أكثر استعدادا لقبول ما جاء به رسول الله. وقلوب الصوفية أقرب مناسبة من هذه الناحية، وهي لهذا قد ظفرت بحظ كبير من العلم فأصبحت بواطنهم أخاذات فعلموا وعلموا، مثلهم في ذلك كمثل الأخاذ الذي يسقي منه ويزرع منه. وهم بعد هذا ومن أجل هذا اجمعوا بين فائدة علم الدراسة وفائدة علم الوراثة بأحكام أساس التقوى. ولما أن صقلت مرايا قلوبهم وصفت صفحات نفوسهم ظهرت لهم الأشياء على حقيقتها وماهيتها. فبانت لهم الدنيا بما فيها من قبح فأعرضوا عنها، وبدت لهم الآخرة بما فيها من حسن فاقبلوا عليها.

وختم المؤلف هذا الباب بملاحظة لها قيمتها وخطرها في فهم التصوف فهما صحيحا مستقيما. هذه الملاحظة هي التي يظهرنا فيها على المعنى الذي تدل عليه لفظة الصوفي. فالصوفي عنده بمعنى المقرب. وهذه اللفظة لم يرد ذكرها في القرآن ولكنها تركت ووضع مكانها لفظة مقرب. ولا يعرف في بلاد الإسلام هذا الاسم لأهل القرب. وانما يعرف للمترسمين. فهناك نفر كبير من المقربين في بلاد المغرب وتركستان وما وراء النهر لا يسمى باسم الصوفية لأن أفراده لا يتزينون بزي الصوفية، ومن هنا انتهى مؤلف (عوارف المعارف) إلى أنه لا يقصد حين يتكلم عن الصوفية في كتابه الا المقربين. وهناك ملاحظة ختامية أخرى ذكرها المؤلف في نهاية هذا الباب، هذه الملاحظة لها قيمتها وخطرها أيضا إذ هي تظهرنا على الفرق بين الصوفي والمتصوف. فالمتصوف هو من تطلع إلى مقام المقربين من جملة الأبرار ما لم يتحقق بحالهم. والصوفي هو من تطلع إلى مقام المقربين حيث يتحقق بحالهم. وأما من هو دون المتصوف والصوفي ممن تميز بزي ونسب إلى الصوفية أو المتصوفة فهو متشبه. ولنمض الآن إلى الباب الثالث حيث يحدثنا السهروردي عن فضيلة علوم الصوفية والإشارة إلى أنموذج منها. ذكر المؤلف في مستهل هذا الباب الحديث الشريف الذي أمر فيه النبي صلى الله عليه وسلم بطلب العلم والذي جعل فيه طلب

<<  <  ج:
ص:  >  >>