للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

العلم فريضة على كل مسلم فقد قال رسول الله: (اطلبوا العلم ولو بالصين فان طلب العلم فريضة على كل مسلم). ذكر بعد هذا الحديث الشريف آراء العلماء من المتقدمين واختلافهم في هذه الآراء حول هذا العلم الذي أمر رسول الله بتحصيله وجعل طلبه فريضة على كل مسلم. وقد اختلف القدماء اختلافا قويا حول هذا العلم ماذا عسى أن يكون. فمنهم من قال هو علم الإخلاص ومعرفة آفات النفوس. (وما أمروا الا ليعبدوا الله مخلصين). ومنهم من قال هو معرفة الخواطر وتفصيلها، لأن هذه الخواطر هي مبدأ الفعل وأصله ولا يمكن حدوث

فعل إذا لم يسبقه خاطر. وذهب فريق إلى أنه علم الوقت. وانتهى فريق آخر ومنه سهل بن عبد الله إلى انه علم الحال أي حكم حال العبد الذي بينه وبين الله تعالى في دنياه وآخرته. ورأت طائفة أنه علم الحلال أو أنه علم الباطن الذي يستفاد من مصاحبة العلماء الزاهدين والأولياء الصالحين. وطائفة أخرى أنه علم البيع والشراء، والنكاح والطلاق، أو أنه علم التوحيد. وقد رأى أبو طالب المكي إن هذا العلم هو علم الفرائض الخمس التي بني عليها الإسلام.

تلك هي الآراء المختلفة التي رآها القدماء في هذا العلم الذي طلبه فريضة على كل مسلم والتي استعرضها مؤلف

(عوارف المعارف) في شيء من الإسهاب كثير، وانتهى من هذه الآراء كلها إلى أنه أميل ما يكون إلى رأي أبي طالب المكي، وإلى رأي من قال بان العلم الواجب تحصيله على كل مسلم هو علم البيع والشراء، والنكاح والطلاق إذا أراد الدخول فيه. ومن هنا يستخلص السهروردي ان العلم المقصود في حديث رسول الله انما هو علم الأمر والنهي. والمأمور في علم الأمر والنهي هو ما يثاب على فعله، وما يعاقب على تركه. والنهي في هذا العلم هو ما يعاقب على فعله ويثاب على تركه. والنتيجة التي خرج بها المؤلف من هذا الكلام المستفيض هي أن علماء الصوفية عرفوا العلم المفترض على المسلمين فأقاموا دعائم علم الأوامر والنواهي بترسمهم خطى رسول الله في الاستقامة، مستعينين على إقامة هذا العلم وتدعمه بما منحوا من زهد في الدنيا وحب للآخرة وصفاء في السرائر ونقاء في الضمائر، والاستقامة التي رفع الصوفية لواءها وأثلوا بناءها هي سبيل المجتهد الصادق، والصوفية

<<  <  ج:
ص:  >  >>