حين كرمهم الله بالنهوض بواجب هذه الاستقامة رزقوا سائر العلوم كعلم الحال، وعلم القيام، وعلم الخواطر، وعلم اليقين، وعلم الإخلاص، وعلم النفس، وأخلاقها وشهواتها وما إلى غير ذلك من العلوم المتعددة التي ظفر بها الصوفية وحرمها غيرهم من علماء الدنيا. وهذه العلوم كلها ذوقية وجدانية يستعان في تحصيلها بالذوق والوجدان.
وكم كنت أحب أن أقف وقفة قصيرة عند اختلاف القدماء في أمر هذا العلم المفترض أبين فيها حظ هذه الآراء من الصواب أو الخطأ. ولكن حسبي أن أوجز لك الآن ما اعتزمت إيجازه من أبواب الكتاب إيجازاً يعطيك صورة مقاربة له، على أن أتناول مناقشة بعض ما ورد فيه من آراء مناقشة نقدية سوف اعرض لها في مقال ختامي.
وبعد أن عدد المؤلف أنواع العلوم التي ظفر بها الصوفية. قارن بين علمي الوراثة والدراسة مقارنة تتلخص في أن علوم الوراثة مستخرجة من علم الدراسة. مثلها في ذلك كمثل الزبد الذي يستخرج من اللبن الخالص. فلو لم يكن لبن لم يكن زبد. ثم عرض السهروردي إلى علوم الإسلام فقال ان للإسلام علوما هي علوم مبانيه. والإسلام بعد الأيمان نظر إلى مجرد التصديق: ولكن للإيمان فروعا بعد التحقق بالإسلام. وهذه الفروع مراتب كعلم اليقين الذي يعطيه لنا الدليل. وعين اليقين وهو ما تعطيه المشاهدة، وحق اليقين وهو ما حصل من العلم بما أريد به ذلك الشهود. وهذه قد تقال للتوحيد والمعرفة والمشاهدة. وللإسلام في كل فرع من فروعه علوم، وبالجملة فانك ترى أن علوم الإسلام هي علوم اللسان، وان علوم الإيمان هي علوم القلوب. ولعلوم القلوب هذه وصفان أحدهما عام والآخر خاص. فأما الوصف العام فهو أن علم اليقين يتوصل اليه بالنظر والاستدلال. ومن هنا اشترك في هذا الوصف كل من علماء الصوفية وغيرهم من علماء الدنيا. وأما الوصف الخاص فهو هذه السكينة التي أنزلها الله على قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا على إيمانهم. ومن هنا ترى أن علوم الصوفية اشتركت مع علوم غيرهم في مرتبة اليقين، وهي المرتبة الاولى ثم امتازت عليها بالمرتبتين الأخريين وهما مرتبة عين اليقين ومرتبة حق اليقين.
ويقسم المؤلف الناس طبقات انقسموا بالنسبة إلى نفوسهم وقلوبهم وأرواحهم. فمنهم من كانت نفسه ظاهرة على قلبه. وهذا الفريق يدعوه الله بالموعظة. ومنهم من كان قلبه ظاهرا