(الرسالة - العدد ١٦١): (وسأعفي نفسي من أشياء كثيرة، وردت في (الصبح المنبي) لا يقبلها عقلٌ ولا تؤيدها قرائن) ويعني هذه الرواية عن اللاذقيّ.
وأنا أسأل الأستاذ سعيد أن ينصف نفسه وينصفنا، وأن يعفينا من التأويل وطلب الحجة فيما لا تأتي منه الحجة إلا متكلفة على أبعد وجه وأضل سبيل. فانظر أيها الأستاذ سعيد إما جاءك رجل بحديث قد استيقنت أن نصفه كذب قد مزج بقول غير معقول، أفأنت مصدقه في سائر الذي جاءك به من الحديث؟ فإن قلت: لا أصدقه في سائر حديثه فقد بطل ما جاء به هذا اللاذقي كله، لأن أربعة أخماس من حديثه مما (يرفضها العقل ويكذبها الواقع) كما قلت أخيراً: ومما لا يقبلها عقل؛ ولا تؤيدها قرائن كما قلت أولاً. وإن شئت أن تتطلب الجدل فقلت أصدق بعضه، وأكذب بعضه، فأنت غير قادر على أن تنشئ لهذا الرأي حجة يلجأ إليها أو دعامة يعتمد عليها، فإن هذا اللاذقي رجُلٌ مجهول في الرواة لا يعلم حاله في صدق أو كذب، ومن كان كذلك نُظر في قوله، فإن كان الذي يأتي به من الرواية صدقاً كان ذلك مانعاً من اتهامه بالكذب إلا ببينة أخرى، وإن كان كذباً لم تجد بُدّاَ من وسمِه بالكذبِ وإسقاط روايته كلها، وجملةً واحدةً؛ ويصبحُ ما أتى به كله كأن لم يُرْوَ ولم يعرفْ، فلا ينظرُ إليه في رواية أو تاريخ؛ فإن قلت أقبل المعقول وأردُّ غير المعقول، فلا بُدّ من أن نقول لك إنك قد اعتمدت في بعض قولك على مذهب أهل الحديث في علم الرواية، فقلت:(إن من أدلة الوضع عند المحدثين مخالفة الواقع والمعقول)، ونعم، فإن رواية ما يستحيل أن يقع، وما لا يأتي على وجهٍ يرتضيه العقل، ساقط عند المحدثين، وهم يتهمون صاحبه بالكذب لوضع فلا تقبل له روايةٌ أبداً، ولو كانت صادقة، ولو كان في قول غيره من الصادقين ما يقع عليها حرفاً حرفاً وكلمة كلمة. فهذا مذهب القوم بتمامه، ومذهب عقلاءِ الناس في أمر دينهم ودنياهم. واعلم أيها الأستاذ سعيد أن القول يُردّ ويُرفض ويكذب صاحبه لأنه غير معقول ويستحيل وقوعه، ولا يمكن في العقل أن يطرد عكسُ هذه القضية: فليس يقبل القولُ ويرتضي صاحبه لأنه معقول وجائزٌ وقوعه وحدوثه، ولست أشكُّ في موافقتك لي على هذا؛ إذن فليس من الحكمة ولا من الصواب ولا من العدل ولا من العلم أن تختصر حديث اللاذقيّ فتأخذ منه المعقول الجائز الحدوث، وأنت تردّ سائر حديثه بل أكثره، ثم تقول عنه في عدد الرسالة (١٦١): (وقد حفظ لنا (التاريخُ) مشهداً من