للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

مشاهد هذه الدعوة (النبوّة) في اللاذقية). فليس شيء من كلام الوضاعين والكذابين مما يصحُّ أن يعتمد عليه في تاريخ أو غيره.

ثم لو نظر الأستاذ سعيد إلى هذا الحديث الذي عدّه (مما حفظ التاريخ من مشاهد دعوة أبي الطيب إلى نبوته) لوجدَ يقيناً أن هذا المختصر من حديث اللاذقيّ هو أيضاً (مما يرفضُه العقل، ويكذبه الواقع) و (مما لا يقبله عقل، ولا تؤيده قرائن)، فأن فيه من الوهن والضعف والتخالف والتناقض ما لو تدبره الأستاذ - وهو يدرس شعر أبي الطيب، ويصوِّر منه نفسه وطبائعها وغرائزها - لعلم أنه موضوعٌ متكلفٌ ليس فيه من الصدق شيء؛ ولم أردك بسوءٍ أيها الأخ إذ قلت في كلمتي السابقة إنك تأخذ من الكلام ما تشاءُ، وتدع ما تشاء، فتزول بذلك شبهاتك.

إن للرواية أصولاً لا يأتي لأحد أن يخرج عنها إلا بحجة لا تسقط عند النقد والنفض؛ ومن أصول الرواية ألا تُقبل رواية من كذَب في أحاديث أو وضعها، وإن كان سائر الذي يرويه مما يعضده فيه رواية غيره من الصادقين، فكيف بمن يكون أمرهُ في الحديث الواحد: أربعة أخماس كذبٌ غير معقول، والخمس الباقي تختلفُ عليه الآراء في وصفه بأنه صدق أو كذبٌ، أو معقول وغير معقول، أو تؤيده قرينة أو لا تؤيده قرينة؟ ألا إن هذا أولى بالإسقاط والرفض والنبذ حيثما ثُقِف، وكذلك هو حديث هذا اللاذقيّ المجهول.

٥ - وقد أراد أستاذنا سعيد أن يوهم قارئ كلامه أننا اتخذنا رأينا - في نسبة أبي الطيب إلى الشجرة العلوية المباركة - (برهاناً) على رد رواية هذا اللاذقيّ المجهول لقولنا في ص ٤٨ (أما اللاذقي فمجهولٌ ولا يتيسر لنا نقد سنده، ولكن مما شك فيه أن اللاذقية التي نسب إليها، كانت لوقت أبي الطيب موطناً لفئة من العلويين ومحطاً لكثير من كبار الدعاة العلويين الذين أحدثوا أحداثاً عظيمة في التاريخ العربي كلّه). فلذلك لم يتورع عن بتر بقية كلامنا، فقد قلنا بعقب هذا وبغير فصل (فلا بأس من أن تجعل هذا ذكراً مذكوراً وأنت تتبّصر في أصل الرواية على وهنها وتضاربها، وتهالك معانيها التي يفسدُ بعضها بعضاً كما سترى). فلو كنا قد اتخذنا هذا (برهاناً) لقلنا مكان (فلا بأس) (فلابد) ليستقيم المعنى الذي أراده لنا الأستاذ الجليل. ويخيل إليّ أن الأستاذ سعيد سيحاول أن يقع في هذا الكلام بالتأويل. فأنا أضرب له المثل على الفرق بين هذا وذاك، ليدع هذا الذي يعمد إليه من

<<  <  ج:
ص:  >  >>