وبدا لأوجين أنها تقصد صندوق البريد القريب فابتدرها مضطرباً وسألها عن أمرها وهدفها، ثم مد لها ذراعيه لتستند عليهما وقد شارفت على السقوط فازورت في كبرياء ووجل وألقت إليه بالبطاقة التي تحملها، وأشارت إليه أن يضعها في الصندوق وعادت تجر ساقيها مشية النزيف أمضه الونى حتى دخلت دارها، فتحرك لها فؤاده ورقت لها حناياه وأشاطه الحنو بعد رزانة ففض غلاف الرقعة دون ما روية أو تريث إذ أدرك أن هذه السقيمة قد تقضي قبل أن تتلقى جواباً، وكان عنوان الغلاف:(إلى حضرة البارون. . .) وفحواه ما يأتي:
(اتل يا سيدي كتابي ولا تهمله، فأنا أموت جوعاً إذ لم أحصل على بلغة منذ أيام، وأمس بت على الطوى وما أزال، وقد لا يصل كتابي إليك إلا وأصبح شريدة بلا مأوى، فقد أقعدني المرض عن العمل لأكسب قوتي وأدفع أجرة المسكن. أرسل لي بربك ديناراً بلا تأخر، ولا تدعني في شك يلتهم ما أبقت الآلام مني، إني منتظرة حتى نهار الخميس في داري: شارع المهماز، واسمي الجديد الآنسة برنان)(روجيت).
دهش أوجين أشد دهشة لما رأى التوقيع وتمتم قائلاً:
- إنها الفتاة التي بددت دراهمها نفسها. . . لقد ألقى بها الداء إلى هذه الهاوية من الذل!. . . وأردف يتابع نجواه:
- ليت شعري ألم تعلم صديقاتها بأمرها؟ أم ترى تركنها تتضور جوعاً وفي العراء من غير ملجأ!. . .
وأفاق من ذهوله كأنما كان في حلم مريع فسارع إلى طاه كان يفتح حانوته فاتباع طعاماً ثم سار يقود أجير الطاهي إلى دار روجيت، فلما وصلها أوعز للغلام أن يطرق الباب ويعطيها الطعام فإن سألته عن مرسله فليقل إنه (البارون. . .) ثم سار متثاقلاً فأصلح من شأن الرسالة وألقاها في صندوق البريد وهمس يحدث نفسه:
(أما إذا رأت روجيت أن جواب بطاقتها كان سريعاً فستفهم السر من البارون).
- ٦ -
كان أوجين يرى من الواجب أن يرفق المائدة المرسلة بالدينار المطلوب ولكنه كان خالي