للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الوفاض صفر اليدين. فإن الطلاب كالعاملات فقراء، وليست الدراهم بضاعة رائجة في الحي اللاتيني؛ لذا قصد فتانا حلاقاً مرابياً في ساحة البانطيون ليرهن بعض حاجاته وهناك ألفى خليله مارسل يحلق لحيته ويقترض مالاً يفي به ثمن عشاء الأمس، فلما أبصره هذا سأله عن جلية أمره فأطلعه بإيجاز على قصده، فسخر منه مارسل وصار يعنفه وأوجين لا يزداد إلا متانة وعزماً، وأخذ يلوم ميمي بنسون وإضرابها من الصديقات اللواتي يتناسين عشيراتهن بالأمس ويوجه إليهن سهاماً صائبة من الانتقاد والاحتقار الشديد إلى أن قال:

- إن فتاتك بنسون غول فظيع عدا كونها متهللة خليعة ماجنة. أما صداقتها فمادية ممقوتة.

فقال الحلاق المرابي واسمه الأب كاديديس:

- إنك قاس وحكمك جائر لأني أعرف الآنسة بنسون وأعتقد أنها نبيلة سامية وهي عظيمة.

فأجاب أوجين: - نعم هي عظيمة في شراهتها وكثرة تدخينها.

فقال المرابي: - ذلك ممكن وأكثر الشبان ما بين آكل وضاحك ومغن ومدخن، على أن منهم من له قلب يحس ويتألم فسأله مارسل: - ماذا تقصد؟

فأجاب الحلاق: - هناك في مؤخرة الحانوت ثوب حريري تعرفانه يا سيدي لأنكما تعلمان أن صاحبته لا تملك سواه، وهي الآنسة ميمي التي رهنتنيه فجر اليوم لكي تسعف روجيت أولاً فإنها في أشد عوز.

ودخل مارسل إلى أقصى الحانوت ليشاهد الثوب العتيد وتبعه أوجين فقال الأول:

- إن أنشودة ميمي كاذبة إذ رهنت ردائها!. . . كم أعطيتها أيها الأب كاديديس على هذه الرهينة الثمينة.

- أقرضتها أربعة فرنكات وكنت لها محسناً لأن الثوب بال قديم. فصاح مارسل:

- مسكينة ميمي! أراهن على أنها رهنت الرداء لتساعد روجيت؟

فقال أوجين: - أو لتدفع ديناً ممطولاً.

وأردف المرابي قائلاً: وإني لأذكر أن بعض دائنيها حجزوا على أثاث دارها ولم يتركوا لها سوى سريرها وكانت نائمة عليه وقد ارتدت أربعة أثواب فوق بعضها كيلا يأخذ الغرماء واحداً منها، وقد كانت يومئذ في حال خير من حالها اليوم، فلم ترهن ثوبها إذن لتفي ديناً، ويدهشني أن يكون ذلك لمعونة بائسة مثلها.

<<  <  ج:
ص:  >  >>