يا ساريَ البرقِ غادِ القصرَ فاسق به ... من كان صِرفَ الهوى والودِّ يسقينا
واسألْ هنالك هل عنى تذَكُّرُنا ... إلفاً تذكرهُ أمسى يُعَنِّينا
وهذا شعر جميل، ولكن انظر كيف عارضه شوقي فقال:
ياساريَ البرقِ يرمي عن جواِنحنا ... بعد الهدوءِ ويهمي عن مآقينا
لما ترقرقَ في دمعِ السماءِ دماً ... هاجَ البكا فخضبنا الأرضَ باكينا
الليلُ يشهدُ لم نهِتك دياجيَهُ ... على نِيامٍ ولم نهِتفْ بسالينا
والنَّجمُ لم يرَنا إلاَّ على قدمٍ ... قيامَ ليلِ الهوى للعهدِ راعينا
كزفرةٍ في سماءِ الليلِ حائرَةٍ ... مِمَّا نُردِّدُ فيهِ حينَ يضوينا
َباللهِ إن جُبتَ ظلماَء العبابِ على ... نجائبِ النور مَحْدواً (بجرِّينا)
ترُدُّ عنكَ يداهُ كلَّ عاديةٍ ... إنْساً يعِثنَ فساداً أو شياطينا
حتى حوتْكَ سماءُ النيل عاليةً ... على الغيوثِ وإن كانت ميامينا
وأحرزتك شفوف اللاَّزَورْد على ... وشى الزبرْ جدِ من أفوافِ وادينا
وحازكَ الريفُ أرجاءً مؤرَّجة ... ربت خمائلَ واهتزَّت بساتينا
فقفْ إلى النيل واهتفْ في خمائِله ... وانزل كما نزلَ الطَّلُّ الرَّياحينا
وآس ما باتَ يذْوي من منازلنا ... بالحادثاتِ ويضوي منْ مغانينا
انظروا. ابن زيدون يسأل البرق أن يسقي القصر، وشوقي يسأل البرق أن يأسو المنازل الذاوية، والمغاني الضاوية، والمعنيان مقتربان، ولكن شوقي أعطانا صورة شعرية لتنقل البرق من أفق إلى أفق، وانحداره من أرض إلى أرض، وأعطى صوراً من ريف مصر وخمائل النيل لا تشوقُ غلا شاعراً ودَّع دنياه حين ودَّع النيل.
وقال ابن زيدون:
ويا نسيمَ الصِّبا بلّغ تحيتنا ... من لوْ على البعد حيَّاً كان يحيينا
عارضه شوقي فقال:
ويا معطّرة الوادي سَرت سحراً ... فطاب كلُّ طروحِ من مرامينا
ذكيَّةَ الذَّيل لو خِلنا غلالتها ... قميصَ يوسف لم نُحسب مُغالينا
جَشِمتِ شوك السرى حتى أتيت لنا ... بالورد كُتْباً وبالرَّيا عناوينا