المحدثون، من أن كثيراً من الأسماء تشير إلى اتحاد محلي، فمعد مثلاً تشير في الأصل إلى جماعات كبيرة أو محالفات قبلية. وقد يكون الخلاف الاجتماعي بين عرب الشمال وعرب الجنوب (كالعداء الحاد الذي فرق بينهم منذ صدر عهد الإسلام) قد يكون هذا الخلاف مقبولاً إذا قصرنا لفظ اليمنية (أهل الجنوب) على أهل سبأ وحمير وغيرهم من المتحضرين الذين سكنوا اليمن وتكلموا لهجتهم الخاصة، ولكن يصعب أن يقصد به البدو اليمنيون المتكلمون بالعربية الذين انتشروا في جميع رحاب شبه الجزيرة. وإن مثل هذا النقد لا يؤثر في قيمة وثائق النسب باعتبارها صورة للعقلية العامة، ومن وجهة النظر هذه تكون الخرافة أحياناً أهم من الحقيقة. وينبغي علينا أن يكون هدفنا في الفصول التالية إيضاح معتقدات العرب غاضين النظر عن نقدها وبيان حظها من الخطأ والصواب.
إن للعربية بأوسع معانيها لهجتين رئيسيتين هما:
أ - العربية الجنوبية وهي لسان اليمن، وتشمل السبئية والحميرية والمعينية واللهجات القريبة منها كلهجة مهرة والشحر.
ب - العربية الفصحى التي ينطق بها في بلاد العرب عامة ماعدا اليمن. أما عن اللغة الأولى - دون التعرض لمهرى وسكنزى وغيرهما من اللهجات الحية - فليس لدينا سوى هذه المخطوطات العدة التي جمعها الرواد الأوربيون، وستكون موضوع بحثنا في الفصل التالي الذي سأقدم فيه بحثاً موجزاً يتناول تاريخ السبئيين والحميريين القديم. والعربية الجنوبية تماثل العربية في تراكيبها القوية من الجمع الشاذ وعلامة التثنية، وإشارة الجمع بإضافة م (وتستعيض العربية عنها بحرف ن) وكذلك في كلماتها. أما حروفها الهجائية التي تشمل تسعة وعشرين حرفاً فهي أقرب إلى الحبشية؛ وقد استولى الأحباش على الإمبراطورية الحميرية في القرن السادس الميلادي، حتى إذا كان حوالي سنة ٦٠٠م أصبحت العربية الجنوبية لغة ميتة، ومنذ ذلك الحين صار للهجة عرب الشمال السيطرة العظمى واتخذت لنفسها كلمة (العربية).
إن أقدم الآثار المكتوبة للعربية جديدة إذا قورنت بالنقوش السبئية التي يرجع بنا بعضها إلى ٢٥٠٠ سنة أو ما يقرب من ذلك إلى الوراء، وباستثناء نقوش الحجر في شمال الحجاز ونقوش الصفا المجاورة لدمشق (التي بالرغم من أنها قد كتبت بالعربية الشمالية قبل العهد