انتقاص للإسلام ورجاله؛ منها كتاب فضيحة المعتزلة في الرد على كتاب فضيلة المعتزلة، الذي وضعه الجاحظ من قبل، وكتاب الدامغ يعارض به القران، وكتاب الفرند في الطعن على النبي صلى الله عليه وسلم، وكتاب الزمردة في إنكار الرسل وإبطال رسالتهم. والكتاب الأخير يعنينا بوجه خاص فإنه يعطينا فكرة عن مسألة النبوة، وكيف كانت تثار في ذلك العهد. وقد بقي هذا الكتاب مجهولاً إلى زمن قريب؛ ويرجع الفضل في التعريف عنه إلى صديقنا المسيو كراوس الذي اهتدى إليه في مخطوطة من المخطوطات الإسماعيلية الموجودة في الهند، وهذه المخطوطة ليست إلا جزءاً من المجالس المؤيدية المنسوبة إلى المؤيد في الدين هبة الله بن أبي عمران الشيرازي داعي الدعاة الإسماعيلي أيام الخليفة الفاطمي المنتصر بالله وتشتمل المجالس المؤيدية في جملتها على ٨٠٠ محاضرة ألقيت في (دار العلم) بالقاهرة في منتصف القرن الخامس الهجري، ودرست فيها المشاكل الإسلامية على اختلافها. وفي المجلس السابع عشر من المائة الخامسة إلى المجلس الثاني والعشرين يعرض المحاضر لأقوال الراوندي في الطعن على النبوة ويعقب عليها بالنقض والرد. وهذه المجالس الستة هي التي نشرها المسيو كراوس وترجمها إلى الألمانية وعلق عليها تعليقاً ضافياً يدل على اطلاعه الواسع وبحثه العميق في مجلة الرفستا الإيطالية سنة ١٩٣٤. فهي لا تحوي كتاب الزمردة في مجموعه، بل فقرات منه تولى الإسماعيلية مناقشتها وإظهار ما فيها من خطأ ومغالطة. وقد صيغت هذه المناقشة في قالب مشوق جذاب، وإن تكن مسجعة سجعاً ثقيلاً أحياناً، وفيها دفاع وردود عقلية هي أثر من آثار الثقافة الإسماعيلية المترامية الأطراف. ولا يتسع المقام لعرض هذه المناقشة في تفصيلها؛ وسنكتفي بأن نستخلص دعاوى ابن الراوندي واعتراضاته.
قد يكون أول شيء يلحظه المطلع على هذا الحوار هو ما في ابن الراوندي من حذق ومهارة ومكر ودهاء. يقف موقفاً بعيداً عن التحيز - ولو في الطاهر على الأقل - كي يجتذب إليه كل القراء، فهو لا يتعرض للنبوة بالنفي والإنكار فقط، بل يناقش موضوعها مناقشة حرة طليقة يأتي فيها على أقوال المثبتين والمنكرين. وكم نأسف لأن صاحب المجالس المؤيدية أهمل جانب الإثبات في هذه القضية. ولو وافانا به لاستطعنا أن نحكم في وضوح ما إذا كان واضع كتاب الزمردة يكيل بكيلين. على أن هناك ظاهرة أخرى تؤيد أن