هو أصل المعنى الذي ساقه شوقي في السينية:
وطني لو شغلت بالخلد عنه ... نازعتني إليه في الخلد نفسي
وهو أخذ رفيق لا يحاسب على مثله الشعراء
وتفرد شوقي بالفخر، الفخر بنفسه وبأمجاد النيل، فقال:
لم يجر للدهر إعذارٌ ولا عُرس ... إلا بأيامنا أو في ليالينا
ولا حوى السعدُ أطغى في أعنَّته ... منَّا جياداً ولا أرخى ميادينا
نحن اليواقيتُ خاض النارَ جوهرُنا ... ولم يَهُن بيدِ التشتيت غالينا
ولا يحول لنا صِبغ ولا خُلقٌ ... إذا تلوَّن كالحرباء شانينا
لم تنزل الشمس ميداناً ولا صعِدت ... في ملكها الضخم عرشاً مثل وادينا
ألم تُؤلّهْ على حافاته ورأت ... عليه أبناءها الغُرَّ الميامينا
إن غازلت شاطئيه في الضحى لبسا ... خمائل السندس الموشية الغينا
وبات كل مجاج الواد من شجر ... لوافظَ القزِّ بالخيطان ترمينا
وبهذا دافع الشاعر عن الوثنية المصرية أجمل دفاع، وهل عبد المصريون الشمس إلا لأنهم عرفوا فضل الشمس؟ وما الدنيا بدون الشمس إلا وجود تافه سخيف!
وشوقي لم يعن إلا نفسه حين قال:
نحن اليواقيت خاض النار جوهرنا ... ولم يَهُن بِيدَ التَّشتيت غالينا
وقد صدق، فقد قامت في وجه الرجل أحداث تهد الجبال، وانتاشه الخصوم أشد انتياش، ولكن من كان يملك مثل قلبه وإحساسه وشاعريته يصعب هدمه، وإن تكاثرت المعاول، واستحصدت سواعد الهادمين
وتفرد شوقي بالحديث عن الأهرام فقال:
وهذه الأرض من سهل ومن جبل ... قبل القياصر دِنّاها فراعينا
ولم يضع حجراً بان على حجر ... في الأرض إلا على آثار بانينا
كأن أهرام مصرَ حائط نهضت ... به يدُ الدهر لا بنيانِ بانينا
إيوانه الفخم من عُليا مقاصره ... يُفنى الملوك ولا يُبقي الأواوينا
كأنها ورمالاً حولها التطمت ... سفينة غرقتْ إلا أساطينا