للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

كأنها تحت لألاء الضحى ذهباً ... كنوز فرعون غطين الموازينا

وللقارئ أن يتأمل هذه الأبيات، له أن يتأمل قوة الفخر في هذا البيت:

ولم يضع حجراً بان على حجر ... في الأرض إلا على آثار بانينا

وله أن يعجب من روعة الخيال في هذا البيت:

كأن أهرام مصر حائط نهضت ... به يد الدهر لا بنيان بانينا

وله أن يتأمل دقة التشبيه في هذا البيت:

كأنها ورمالاً حولها التطمت ... سفينةٌ غرقت إلا أساطينا

ذلك شوقي وتلك آياته البينات.

- ٦ -

وتفرد ابن زيدون بوصف الجمال الإنساني، وتفرد شوقي بوصف الجمال الطبيعي. أعطى ابن زيدون محبوبته صورة هي تحفة في الصور الإنسانية، وأعطى شوقي مفاتن النيل صورة هي غرة في الصور الطبيعية؛ أما صورة النيل فقد رآها القارئ من قبل. وأما محبوبة ابن زيدون فقد صورها بهذه الأبيات:

ربيبُ ملكٍ كأن الله أنشأهُ ... مسكاً وقدَّر إنشاَء الورى طينا

أو صاغه وَرقاً محضاً وتوَّجه ... من ناصع التبر إبداعاً وتحسينا

إذا تأوَّدَ آدتهُ رَفاهيةً ... تومُ العقودِ وآدته البرى لينا

كانت له الشمسِ ظئراً في أكلَّته ... بل ما تجلى لها إلا أحايينا

كأنما أُثبتت في صحن وجْنتهِ ... زُهر الكواكب تعويذاً وتزيينا

ما ضرَّ أن لم نكن أكفاَءه شرفاً ... وفي المودة كافٍ من تكافينا

وهذه نظرة شاعر يعرف جواهر الصَّباحة. وفي الحسن ألوف من الأفانين يعرفها الراسخون في علم الجمال، فالجمال المنعم غير الجمال المحروم، والزهر النضير الذي يضاحك الشمس في حديقة غناء بقصر من قصور الملك، غير الزهر الظمآن المنسي الذي يتفتح وهو مهجور في ربوة قاصية لا يعرفها غير الذئاب. إن جواهر الجمال تختلف أشد الاختلاف، ولكل لون من ألوان الجمال وحي خاص. وجوهر الشعر يتبع جوهر الجمال، وهل يمكن أن يكون ما يوحيه الجمال المحجب شبيهاً بما يوحيه الجمال المباح؟ إن الطبيعة

<<  <  ج:
ص:  >  >>