المسلمون بينهم وبين الآراميين إلا أن الدراسة العميقة لنقوشهم أثبتت خطأ هذه الفكرة التي أقرها كاترمير، وإن كتاب (الفلاحة النبطية) الذي ألفه عام ٩٠٤م للكاتب المسلم ابن وحشية الذي اعترف بأنه ترجمه من الكلدانية، فقد ظهر الآن أنه مختلق، وما أشرت إليه في هذا المجال إلا كمثال للوسيلة التي يستعمل فيها المسلمون لفظ (نبطي)، لأن العنوان المشار إليه حالاً لا يرجع بالطبع إلى بترا ولكن إلى بابل
من كل ما قيل يستطيع القارئ أن يلاحظ أن تاريخ العرب - وجل معلوماتنا عنه مقتبسة من مصادر عربية - يمكن تقسيمه إلى ثلاثة عصور
(١) العصر السبأي والحميري من ٨٠٠ق. م. وهو تاريخ أقدم نقوش العربية الجنوبية حتى سنة ٥٠٠م.
(٢) العصر السابق للإسلام (أي من ٥٠٠م - ٦٢٢م)
(٣) العصر الإسلامي ويبدأ من هجرة الرسول من مكة إلى المدينة أي من سنة ٦٢٢ حتى الوقت الحاضر
أما عن العصر الأول الذي يتعلق بتاريخ اليمن أو بلاد العرب الجنوبية فليس لدينا مراجع عربية معاصرة له سوى النقوش؛ كما أن المورد القيم الذي تمدنا به هذه النقوش على نقصه هو الأحاديث الواردة في قصائد الجاهلية والقران وخاصة في الدب المحمدي المتأخر؛ ولا مراء في أن معظم هذه الأخبار أساطير، ومن الأجدر أن يتجاهلها الباحث المشتغل بالبحث التاريخي، ولكني سأخصص جزءاً وافياً لدراستها، خاصة وأن غرضي الأول هو التعريف بمعتقدات العرب أنفسهم وآرائهم.
أما العصر الثاني فيسميه المسلمون عصر الجاهلية أو عهد البربرية وتنطبع مميزات هذه الفترة في دقة وأمانة فيما وصلنا من أغاني وقصائد الشعراء الوثنيين، إذ لم يكن هناك إبان هذا الوقت أدب نثري فكان من مهمة الشاعر التغني بتاريخ قومه والافتخار بنسبهم، وتمجيد استعمالهم للسلاح، وتبجيل فضائلهم، ورغماً من أن مقداراً عظيماً من شعر الجاهلية قد فقد إلى الأبد، إلا أنه لا تزال لدينا بقية كبيرة (بإضافتها إلى ما وضعه علماء اللغة والآثار المسلمون من قصص تترى) تساعدنا على تصوير حياة هذه الأيام الغابرة تصويراً دقيقاً.
أما أهم العصور الثلاثة وآخرها فهو تاريخ العرب تحت ظل الإسلام، وينقسم طبيعياً