وقد استهل هذا النشاط بقصة (زينب)، وهي قصة طويلة وضعها في عام ١٩١٤ محمد حسين هيكل بك الذي أصبح فيما بعد صحفياً وأديباً نابهاً، وموضوعها منقول عن الحياة الريفية في مصر. أما من حيث اللغة والأسلوب وطريقة الكتابة فقد فتحت فتحاً جديداً، إذ امتازت القصة بأسلوبها الطبيعي الخالي من الصناعة والتكلف، لكنها رغم ذلك لم تلفت الأنظار في بدء ظهورها.
ووضع الدكتور طه حسين (المولود في سنة ١٨٨٩) قصة دعاها (الأيام) في عام ١٩٢٧، وسار فيها على أسلوب الأخبار العائلية، وهي تصف طفولة صبي مصري يافع، عاش في قرية صغيرة على ضفاف النيل، والقصة جديرة حقاً بالتقدير، لا من حيث الوصف الحي للحياة الواقعة فحسب، بل كمؤلف أدبي من الطراز الأول في اللغة والأسلوب وطريقة الرواية.
أما مجموعة القصص الثلاث لتوفيق الحكيم فقد رسمت لها خطة واسعة النطاق، ولم ينشر منها حتى الآن سوى القسم الأوسط (عودة الروح) في جزءين (كتبا في سنة ١٩٢٧ ونشرا في سنة ١٩٣٣)، وقد خصص هذا القسم للحوادث التي توالت على مصر ابتداء من عام ١٩٢٠.
وكان لظهور توفيق الحكيم في سماء الأدب أحسن وقع لما امتاز به من التعمق في الفن الروائي، وبراعة الوضع، وسلاسة اللغة؛ وهذه الأمثلة تحملنا على أجنحة الأمل وتدفعنا إلى الاعتقاد الجازم بأن القصة ستحل قريباً المحل اللائق بها في الأدب العربي الحديث.
ج المسرحية (الدرامة)
لم تنبت المسرحية العربية الجديدة من أصول محلية، شأنها في ذلك شأن القصة (فهي لم تأخذ شيئاً من المقامة أو القراقوز أو أسرار الدين الشيعي). وقد شاع فن التمثيل بين الطلبة بفضل الحفلات السنوية التي كانت تقيمها المدارس الأوربية، واعتاد المدرسون أن يضعوا بأنفسهم المسرحيات التي يقوم الطلبة بتمثيلها إذ كانوا يختارون موضوعاتها من التوراة أو من التاريخ اليوناني والروماني القديم (الكلاسيك)، وأخيراً من ماضي العرب.
لم يقتص المسيحيون وحدهم على توجيه عبقريتهم نحو هذا النوع، بل اشترك معهم المسلمون. ففي سوريا، كتب إبراهيم الأحدب مسرحيتي (إسكندر المقدوني) و (ابن زيدون