إلي، فلما لم تفعل شرعت أنفخ في البوق وعيني على الشرفة، فرمت إلي نظرة وضيئة وابتسمت، فكدت أطير من الفرح، وكان البواب يحادثني وأنا لا أصغي إليه ولا أدري ماذا يقول ولعله كان يرد على كلام لي نسيته، فما كان لي غاية إلا أن أجعل لوقوفي مسوغا في نظر البواب. ولما كان البواب لا يكف عن الكلام وكان ينتظر مني أن أقول شيئاً فقد طلبت منه أن يجيئني بقليل من الماء أفرغه في جوف السيارة وما كانت بها حاجة إلى ذلك، ولكن هذا ما خطر لي أن أصرفه عني به فمضى عني فرفعت عيني إليها فألفيتها لا تزال تبتسم فتظاهرت بأني أصلح البوق ولكن عيني كانت عليها، فأشارت إلي بيدها أن أمضي إلى آخر الشارع وأن أنتظرها هناك فأسرعت إلى مقعد القيادة ولم أنتظر البواب المسكين الذي أرسلته ليجيئني بالماء وذهبت في الطريق الذي أشارت إليه ووقفت أنتظر)
فقلت:(على أحر من الجمر؟)
قال:(لا تتهكم. . . إن المسألة ليست مزاحاً. . . نعم كنت على أحر من الجمر. . . فماذا تريد؟)
قلت:(لا شيء. . . إنما أنتظر أن تذكر بيتاً لشاعر. . . ألا يحضرك شيء من محفوظك.؟)
قال بلهجة جادة لم أكن أنتظرها: (أنا أقول لك ماذا كان يجول في خاطري. . . لقد كنت أمني النفس بوشك اللقاء الذي ظللت أرجوه عاماً كاملاً ولم يصرفني عنه سواك. . . وكان لك حق. . . الآن فقط أدركت أن الشباب يحتاج إلى التجربة التي تغري بالتؤدة وتقص أجنحة الخيال. . . كنت أحلم بأن أراها إلى جانبي في السيارة وأحدث نفسي بقربها؛ ولا أكتمك أني ذهبت أنشئ أحاديث بيني وبينها. . . أحاديث كانت تبدأ بالعتاب وتنتهي بالقبلات والعناق. . . وكنت أتصورها تدني ساقها مني - عفوا بالطبع - فأغتنم الفرصة وأدني أنا أيضاً ساقي من ساقها فتنأى بها فأرد ساقي على مهل كأن الأمر كله جاء عفواً، ثم نعود إلى هذا التداني ولا تبعد عني هذه المرة بل تبقي ساقها ملاصقة لساقي فأنعم بهذا القرب الذي لم أكن أطمع فيه بل الذي قطعت الأمل من إمكانه في هذه الدنيا. . . ونذهب إلى مكان خلوي. . . وكان خيالي يتشبث بأن يكون المكان خلويا لا يخلوا من أنس ولكنه لا يبلغ من ضجة الناس وزحامهم فيه أن يعكر وجودهم الصفو وينغصه، فإذا بلغناه وقفنا