وطلبنا شيئاً نبل به ريقنا ويدور الحديث بغير انقطاع، كما لابد أن ينقطع والسيارة تخطف في الطريق، وتلتقي العين بالعين ويحن القلب إلى القلب وتتصل الأيدي وتتداخل الأصابع وتسري الوقدة منها إلي، ومني إليها، فتتلامس الشفاه ويستريح الصدر إلى الصدر ويحف ذراعي بخصرها ويحيط ذراعها بعنقي، ثم نتباعد ونتنهد وقد شفى كل منا بعض ما يجد وأوحي بشيء مما يجن في تلك القبلة الطويلة التي يفرغ فيها روحه ويفضي بشوقه وصبوته. . . وكنت على استغراق هذا الحلم اللذيذ لمشاعري وحواسي أنظر إلى الطريق ولا يفوتني أحد ممن يمشون فيه. . . ولم يكن حلمي يمنعني أن أنظر في الساعة كل بضع ثوان. . . وليس أشق من الانتظار ولكني استطعت أن أنتظر نصف ساعة. . . وما أقلها لو فكرت. . . وما نصف ساعة يقضيه شاب في انتظار الفوز بلقاء ظل عاما كاملا يطمع فيه ثم انتهى به الأمر إلى اليأس منه؟؟ ولكني على هذا مللت وحدثتني النفس أن شيئاً لابد أن يكون قد عاقها. . . ذلك أني أعلم أنها لا يسهل الخروج عليها وحدها؛ فقلت لنفسي إنه لا ضرر على كل حال من الرجوع والمرور ببيتها لعلي أرى ما يهديني إلى سبب هذه الغيبة الطويلة على الرغم من إشارتها الملحة أن أسير بسرعة وأنتظرها في آخر الطريق. . . وأوجز فأقول إني رجعت من حيث جئت وتظاهرت بأن شيئاً في السيارة يحوجني إلى الوقوف وترجلت وفتحت غطاء المحرك ولكني لم أنظر إليه وإنما رفعت عيني إلى الشرفة، وكانت عائدة واقفة فيها ومستندة كعادتها على حافتها وكأنما لا شيء هنالك. . . لا أحد ينتظرها في آخر الشارع منذ نصف ساعة. . . كأنها لم ترسلني إلى آخر هذا الشارع. . . أدهى من هذا يا صاحبي أنها لم تكد تراني حتى كادت تسقط على الأرض من الضحك. . . نعم الضحك. . . كانت تضحك لأنها ضحكت علي وكلفتني أن أنتظرها وهي لا تنوي أن تجيء. . . ماذا يضرها أن أنفلق نصف ساعة؟؟ ماذا خسرت هي إذا كنت أنا مغفلا؟؟ ماذا عليها إذا كنت صدقتها وتوهمت أنها تجن لي مثل الذي أجنه لها وأني لبثت نصف ساعة أحلم وأمني النفس بقربها وحديثها وابتسامها وقبلاتها وضماتها وعناقها؟؟ لا يضيرها شيء بل يسرها أنها ضحكت علي وخدعتني واستغفلتني واستحمقتني وتركتني أرتفع بخيالي إلى حيث شاءت لي السخافة ثم رمت بي إلى الأرض الصلبة. . . هل يعنيها أن عظامي رضت أو أنها تحطمت؟؟ هل تبالي أن آمالي خابت؟؟ هل تحفل الصدمة التي