الإنسان الكامل.
- ٥ -
وبعد أن ألقى زارا هذه الكلمات أجال أنظاره في الحشد وسكت ثم قال في قلبه: لقد تملكهم الضحك، فهم لا يفهمون ما أقول، وما أنا بالصوت الذي يلائم هذه الأسماع
أعلي أن أسد آذانهم ليتمرنوا على الإصغاء بعيونهم؟ أم يجب أن أضرب الصنج أسوة بوعاظ الصيام؟ لعل هؤلاء القوم لا يثقون إلا بالألكن من المتكلمين
إن لهؤلاء الناس ما يباهون به فما عساه أن يكون؟
إنهم يسمونه مدنية ليميزوا بها أنفسهم من الرعاة. فهم لذلك ينفرون من لفظة الاحتقار إذا ما ذكرت في معرض الكلام عنهم، فلسوف أخاطبهم إذن عن غرورهم
سأخاطبهم عن أحقر الكائنات، عن الإنسان الأخير، وتوجه إلى الحشد قائلا:
لقد آن للإنسان أن يضع هدفا نصب عينيه، لقد آن له أن يزرع ما ينبت أسمى رغباته، ما دام للأرض بقية من ذخرها؛ إذ سيأتي يوم ينفذ هذا الذخر منها فتجدب ويمتنع على أية دوحة أن تنمو فوقها.
ويل لنا! لقد اقتربت الأزمنة التي لن يفوق الإنسان فيها سهام شوقه محلقة فوق البشرية إذ تخونه قوسه وتتراخى أوتارها
الحق ما أقوله: لن يخرج من الإنسان كوكب وهاج للعالم حين تزول بقية السديم من نفسه، وهذا السديم لم يزل فيكم
ويل لنا! لقد اقتربت الأزمنة التي لن يدفع الإنسان فيها بالكواكب للعالم. ويل لنا؟ لقد اقترب زمان الإنسان الحقير الذي يمتنع عليه أن يحتقر نفسه
اسمعوا! هأنذا منبئكم عن الرجل الأخير
إنه من يقف متسائلا عن نفسه فلا يعلم أمحبة هي أم إبداع أم تشوق، أم توهج كوكب
وستصغر الأرض في ذلك الزمان فيصطفر على سطحها الرجل الأخير الذي يحول إلى حضارة كل ما يدور به، إن سلالة هذا الرجل لا تباد، فهي أشبه بالبراغيث، والإنسان الأخير أطول البشر عمرا
ويقول أناسي الزمن الأخير متغامزين: لقد اخترعنا السعادة اخترعا