وقبل أن تغادر بريتولا الكنيسة قالت للقسيس الطيب القلب:
- ولا تنس يا سيدي أن تخبر تنكريد إذا دفعته الجرأة إلى إنكار شيء مما قلته لك، بأنني قد أتيت إليك بنفسي واعترفت أمامك بكل شيء. . .
وفي اليوم التالي أرسل القسيس في طلب صديقه تنكريد. ثم انتحى به جانبا وأخذ يلومه بلهجة هادئة، وعبارة متزنة، على تصرفه الشائن مع بريتولا. . .
ودهش تنكريد بطبيعة الحال لهذا الاتهام الذي لم يخطر على باله، لأنه، كما قلنا، لم يرفع بصره إلى بريتولا في مرة من المرار التي كان يمر فيها أمام منزلها؛ وبالرغم من أنه نفى عن نفسه هذه التهمة بشدة، فان صديقه القسيس لم يصدق ذلك وقال:
- لا تتظاهر بالدهشة يا عزيزي من هذا الأمر، ولا تحاول أن تنكر هذه التهمة لأنني سمعتها من شفتي بريتولا نفسها. . .
وبعد أن سكت برهة قال:
- ولعلك تعلم يا تنكريد أن هذا السلوك الشائن وذلك التصرف السيئ لا يليقان برجل فاضل مثلك، وإني أنصحك نصح الصديق المخلص أن تدع هذه السيدة الفاضلة تعيش في هدوء وسلام مع زوجها الذي تحبه إلى حد العبادة! ولا تحاول أن تقلق راحتها أو تفسد حياتها مرة أخرى. . .
ولم يغب عن بال تنكريد غرض بريتولا من هذا الاتهام الكاذب. وقبل أن يغادر الكنيسة وعد صديقه ألا يعرض لبريتولا ولا أن يضايقها بعد ذلك. فاستراح القسيس لهذا الوعد وشكره على شهامته ونبل أخلاقه
وقصد تنكريد من فوره إلى منزل بريتولا. ولحسن حظه وجدها في انتظاره كالمعتاد في نافذة غرفتها
وما كادت بريتولا تراه وهو مقبل على منزلها حتى ابتسمت له ابتسامة خبيثة ماكرة، وتجلى البشر والسرور في قسمات وجهها، وحيته بهزة خفيفة من رأسها الجميل
وتأكد تنكريد الآن أنه لم يكن مخطئا في زعمه، فابتسم لها ابتسامة رقيقة عذبة ورد تحيتها بأحسن منها. . .