ثم ذبلت عيناها الجميلتان، وما هو ذبول عيني امرأة تنظر إلى محبها؛ إنه هو استسلام فكرها لفكره، أو عناد معنى فيها لمعنى فيه، أو توكيد خاطرة تحتاج إلى التوكيد؛ ومرةً هو كقولها: لماذا؟ وتارةً هو كقولها: أفهمت؟ وأحياناً، وأحياناً هو انتهاء مقاومة.
وتمت الحكاية المروية التي كانت تلقيها للتليفون. . . فكرَّت راجعة إلى المسرح بعد أن صاحت نظراتها مرة أخرى كما بدأت: أنت يا أنت. . .
فقلت لصاحبنا: ويحك يا عدو نفسه! لو اختار الشيطان عينين ساحرتين ينظر بهما إليك نظر الفتنة لما أختار إلا عينيها في وجهها، في هيئتها، في موقفها؛ وأراك مع هذا كمنتظر ما لا يوجد ولا يمكن أن يوجد؛ وأراها معك في حبها كالحيوان الأليف إذا طمع في المستحيل.
قال: وما هو المستحيل الذي يطمع فيه الحيوان الأليف؟
قلت: ذلك حين يطمع في أن تكون له حقوق على صاحبه فوق الألفة والمنعة.
قال: لقد أغمضت في العبارة فبين لي شيئاً من البيان.
قلت: هب كلبةً تألف صاحبها وتحبه فهي له ذليلة مطواع، ثم يبلغ بها الحب أن تطمع في أن يكون لها تمام الشرف، فلا يقول صاحبها عنها هذه كلبتي، بل يقول هذه زوجتي. . .
قال: وي منك، وي منك؛ لقد ضربت على رأس المسمار كما يقولون. هذا هو المستحيل الذي بيني وبينها، هذا هو المثل. يا لفظ الحلوى، يا لفظ الحلوى! لو كررتك بلساني ألف مرة، فهل تضع في لساني طعمها. . .؟
قلت: خفض عليك يا صاحب القلب المسكين فلست أكثر من عاشق.
قال: بل أنا مع هذه أكثر من عاشق، لأن في العاشق راغباً وفيَّ أنا راهب، وفيه الجريء وفيَّ المنكمش، ويغترف الغرفة من الشلال المتحدِّر فيحسوها فيرتوي، وأغترف أنا الغرفة بيدي، وأبقيها في يدي، وأطمع أن تهدر في يدي كالشلال. . . . أنا أكثر من عاشق، فإنه يعشق لينتهي من ألم الجمال، وأعشق أنا لأستمر في هذا الألم.
هذه هذه. العجيب يا صديقي أن خيال الإنسان يلتقط صوراً كثيرة من صور الجمال تجئ كما يتفق، ولكنه يلتقط صورة واحدة بإتقان عجيب هي صورة الحب؛ فهذه هذه.
ألم أقل لك أن إبليس هنا في غير حقيقته الإبليسية ولم تفهم عني؟ فأفهم الآن أننا إن كنا لا