بها في نفوس الإنجليز، فاحتلت من أدبهم موضعاً مكيناً.
ولموقع الجزيرة وإحاطة البحار بها اشتغل الإنجليز بالتجارة، ينقلونها بين العالمين القديم والجديد، وقد مارسوها بحراً على حين مارسها العرب براً، فدخلت تعبيراتها وأوصافها في أدبهم؛ واشتغلوا بالزراعة لملاءمة الإقليم وحفل جانب من أدبهم بوصف سكان القرى والبلدان الريفية، وحياتهم ومجتمعاتهم، وكثر ذلك خاصة في العصور الحديثة حين تقدم فن القصص وأزداد التفات الأدباء إلى الحياة اليومية والطبقات الوسطى والدنيا. ومن خير أمثلة ذلك روايات جين أوستن وتوماس هاردي؛ واشتغل الإنجليز كذلك بالصناعة الكبيرة لوفرة المعادن في بيئتهم، فقام نوع من الأدب يدرس مشاكل الصناعة ويصور مجتمع الصناع، وانصرف بعض الروائيين، كأرنولد بنيت، إلى وصف حياة الرأسماليين، وبعضهم، كتشارلز دكنز، إلى درس أحوال العمال والمناداة بتحسينها.
هكذا تأثر كلا الأدبين بالبيئة التي قام فيها، فاختلفا لذلك مناحي ومواضيع وأشكالاً؛ بيد أن البيئة التي تقدم ذكرها إن هي إلا البيئة المحلية المحض، وهي على عظيم تثيرها في المجتمع والأدب قلما تنفرد بالتأثير فيهما، بل تشاركها في ذلك بيئة أوسع أطرافاً هي البيئة العالمية، أي العالم كله بما فيه من ظواهر طبيعية وما يسكنه من أقوام، فهيهات أن يعيش مجتمع في بيئته المحلية غير متأثر بالعالم الخارجي تأثراً قل أو كثر، عن طريق التجارة والغارة والرحلة، وذلك الأثر العالمي يعرض أمام أفراد المجتمع من الظواهر والمشاكل ما كانوا عنه بنجوة، ويُدخل في لغتهم وأدبهم ما كانوا به جاهلين.
تأثر الشعبان العربي والإنجليزيبأحوال العالم الخارجي، أي البيئة الكبرى، ولكنهما اختلفا في هذه البيئة كما اختلفا في البيئة المحلية، إذ تأثر كل منهما بما يليه مباشرة من أجزاء تلك البيئة العالمية: وما يلي بلاد العرب هو الأمم الشرقية من فرس وهند وروم شرقيين ومصريين، ذات الحضارة الشرقية العتيدة والملكيات القديمة؛ وما يلي الإنجليز هو الأمم الغربية الوراثة لحضارة الإغريق والرومان ذوي التاريخ الحافل بالنظم الحكومية والآراء الحرة في السياسة والاجتماع، وبذلك ازدادت صبغتا الأدب تبياناً.
تأثر العرب بحضارة الأمم التي كانوا ينقلون متاجرها. ولا سيما الفرس والروم، وكانت لهم بهؤلاء علاقات سياسية لأكابرهم إلى ملوكهم سفرات، والى اشتغال قريش بتلك التجارة