للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

عصبة الأمم، وسياسة نزع السلاح، وفي النزعة العسكرية، والخطط السياسية العنيفة.

والواقع أن المسألة الاستعمارية تلعب دوراً كبيراً في الأزمة الدولية الحاضرة، وفي أزمة البحر الأبيض بنوع خاص؛ فقد رأينا كيف بدأت هذه الأزمة وتفاقمت من جراء اعتداء إيطاليا على الحبشة ووقوف إنكلترا في وجه السياسة الإيطالية، وحشدها الدول بواسطة عصبة الأمم لتوقيع العقوبات الاقتصادية ضد إيطاليا؛ والآن وقد كلل اعتداء إيطاليا بالنجاح وفازت بامتلاك الحبشة، فأنها تتطلع إلى تحطيم المركز الممتاز الذي تستأثر به إنكلترا في البحر الأبيض المتوسط لكي تأمن على مواصلاتها مع إمبراطوريتها الأفريقية؛ ومن المحقق أن معونة إيطاليا للجنرال فرانكو زعيم الثورة الأسبانية لها صلة كبيرة بهذا المشروع الذي تحلم به إيطاليا؛ ذلك لأن قيام حكومة عسكرية فاشستية في أسبانيا موالية للسياسة الإيطالية، يهدد مركز إنكلترا في جبل طارق وفي غرب البحر الأبيض المتوسط، كما انه يعزز مركز إيطاليا ونفوذها في هذه المياه خصوصاً إذا ثبتت الأنباء القائلة بأن القوات الإيطالية تحتل الآن جزيرة ميورقة كبرى جزر البليار. وألمانيا تؤيد إيطاليا في هذا الموقف، وتعاون ثوار أسبانيا أيضاً، لأنها ترى في قيام الفاشستية في أسبانيا تقوية للجبهة الفاشستية التي تمثلها مع إيطاليا وإضعافاً للدول الديموقراطية: أعني فرنسا وإنكلترا في أوربا، كما أنها ترى في ظفر الفاشستية هزيمة لعدوتها روسيا السوفيتية التي تعاون الجبهة الجمهورية في أسبانيا وربما كانت ألمانيا إلى جانب ذلك ترى في التدخل في شؤون أسبانيا وغرب البحر الأبيض وسيلة لإثارة المسألة الاستعمارية التي تعلق عليها أهمية كبيرة.

وقد امتازت خطط الدولتين الفاشستيتين في العام المنصرم بالاندفاع والتحدي؛ وما زال السنيور موسوليني بالأخص يبرق ويتوعد في كل خطبه وتصريحاته، وينوه بقوة جيوشه واستعداداته وينذر أوربا بالويل إذا لم تنزل عند أطماعه ومطالبه؛ وما زالت إنكلترا وهي التي يخصها (الدوتشي) بأكبر قسط من الوعيد والتحدي تقابل الموقف بالرزانة والإغضاء، ماضيه في تقوية تسليحاتها في نفس الوقت في كل ما وسعت؛ كذلك نرى ألمانيا الهتلرية تنحو في خططها السياسية هذا النحو فتنقض المواثيق والعهود متى شاءت، وتلوح في كل فرصة باستعداداتها العسكرية؛ وفرنسا التي هي محور هذه الضربات تتلقاها في هدوء وتحاول مع حليفتها القديمة إنكلترا أن تذلل الصعاب والأزمات بالأساليب السياسية، وهي

<<  <  ج:
ص:  >  >>