للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ماضية أيضاً في مضاعفة استعداداتها العسكرية العظيمة.

ومن المحقق أن الدول الغربية وعلى رأسها فرنسا وإنكلترا ترغب في السلام كل الرغبة، وتعمل على اتقاء خطر الحرب بكل ما وسعت؛ وكذلك لا ريب أن الفاشستية لا تبدي مثل هذا الحرص في المحافظة على السلام اجتناب أخطار الحرب؛ ولقد اندفعت إيطاليا وألمانيا خلال هذا العام إلى إثارة عدة أزمات دولية كانت كل منها تكفي لإضرام نار الحرب، فنقض ألمانيا لميثاق لوكارنو ومعاهدة الصلح، وغزو إيطاليا للحبشة وحملاتها العنيفة على إنكلترا، وعلى عصبة الأمم، وعملهما معاً على إضرام نار الحرب الأهلية في أسبانيا، كل هذه كانت وما تزال تثير كدراً في أفق السلام، وقد كادت في أكثر من فرصة أن تغدو خطراً حقيقياً على السلام.

وهذه النزعة الخطرة التي تندفع الفاشستية فيها دون تدبر للعواقب ترجع إلى حالة نفسية تستغلها الفاشستية؛ فالدول الغربية التي خرجت من الحرب بأكبر قسط من الغنيمة، والتي تبسط سلطانها على إمبراطوريات استعمارية شاسعة، وتستأثر بوفرة هائلة في المواد الأولية، تتمتع بمستوى مرتفع من الرخاء الاقتصادي، ولها صناعات مزدهرة، وتجارة خارجية عظيمة، وهي تحرص على ذلك كله، وتجانب الحرب ما استطاعت، لأن الحرب نذير الخراب البؤس الاقتصادي؛ وهذا مثل إنكلترا وفرنسا وبلجيكا؛ فهي دول (راضية) لا تود بحالتها بديلاً، أما الدول الفاشستية، أو بعبارة أخرى إيطاليا وألمانيا، فهما من الدول (غير راضية) لأنهما تعانيان حالة من البؤس الاقتصادي ولا تحتكمان على مقادير كافية من المواد الأولية، ولا تتمتعان بمقدار مرضي من الرخاء، فهما لذلك ساخطتان، تحقدان على الدول (الراضية)، وتودان تغيير هذا الحال والاستيلاء على بعض المستعمرات الغنية التي تكفل لهما الحصول على المواد الأولية؛ وإذا كانت الفاشستية تقوم في الداخل على العنف، فهي لا ترى أيضاً سوى العنف وسيلة لسياستها الخارجية، وهي تندفع بلا تدبر للعواقب، لأنها تعرف جيداً أن الدول (الراضية) أشد ما يكون زهداً في مقابلة العنف بالعنف، وأنها تعمل جهدها لاتقاء خطر الحرب؛ ولقد نجحت الفاشستية في استغلال هذه الحالة، وحققت لنفسها بالعنف ألواناً من الظفر، في ميدان السياسة والحرب، كغزو الحبشة؛ ولا تزال تسرف في الوعيد كلما لاح لها أمل في التهويل والاستغلال.

<<  <  ج:
ص:  >  >>