رقاب الناس. فاعتبار هذه الحالة درجة من الكمال تستحق أن تُحتذى كما يُحتذى التقدم العلمي ونظرياته تكون غلطة ما أقبحها من ذلك الشخص الموهوب الذي يصدح على ضفاف النيل. فالبحث كذلك عن مناح جديدة في الألحان الغربية واستخدام وسائل تعبيرها يعد منا رجعة إلى الوراء.
وقد ظهر لي أن محاولاتك نتجه يوماً بعد يوم نحو توافق الأصوات وإخراج مجموعة متنافرة منها في لحظة واحدة وبالتبعية محاولة التعبير عما يضطرم في نفسك بما تستخلصه من ذلك.
كانت النغمة الفردية الأوربية دائماً أبداً ضعيفة، فلا عجب أن نراها تلجأ إلى تلك الأصوات المتجمعة؛ هذه الأصوات تعبر عن أشياء متباينة، ولكنها تصدر في وقت واحد لتنتج من ذلك تآلفاً فيما بينها. ولا أدل على ضعف السلم الموسيقي الغربي من اقتصاره على استعمال النغمتين فقط (ويلاحظ أن النغمة المنخفضة ترجع إلى عرب أسبانيا) في حين أن الفرس في العصور الوسطى قد استعملوا ستاً وثلاثين نغمة وأن الأندلسيين استعملوا أربعين منها، وأن الشرقيين بعكس المؤلفين الموسيقيين الحديثين لم يجعلوا ألحانهم تعتمد على قدرة آلاتهم وعلى الأخص على وضع علامات لها.
وليست الرغبة في استعارة آلات موسيقية عجمية (كموسيقى اليد) إلا وقوعاً منا في نفس الخطأ الشنيع الذي وقعوا هم فيه وتجنباً منا على الموسيقى الشرقية.
ومهما كانت محاولاتك جريئة وتستحق الإعجاب فيجب أن تعرف - في رأيي المتواضع - كيفية الرجوع إلى مصادر الأشياء، وأن تتساءل عن ماهية العوامل التي تهيئ الخلود لفكرة ما، وأن تفكر في النتائج التي يصح أن تنتظرها من وراء هذا الاقتباس. وهنا يجب أن تعترف بأن قوانين الوراثة تلعب دور الهام: فأن (بولدييه) و (برليو) لا ينسبان فضل أعمالهما إلى نفسيهما فقط. . . . لأنهما رضعا ألحانهما من ثدي أميهما اللتين حصلتا عليها بدورهما ممن سبقوهما، وهما ليستا إلا حلقتين من سلسلة طويلة.
وليس من الغريب أن نرى وجوه الغربيين عندما يستمعون إلى موسيقانا وقد ارتسمت عليها تلك الابتسامة التي ترتسم على وجوهنا نحن عندما نستمع إلى الموسيقى الأولية. وهناك حقيقة أخرى أكثر خطراً، وهي أن الأوربيين لا يكادون يفهمون من أنغامنا الموسيقية إلا ما