وإذن فأنا أزعم أن هذه المناظرة بين الكلب والديك كانت صدى من أصداء تلك الحالة الاجتماعية الشديدة السلطان في العصر العباسي، والتي أخذت تتغلغل في المجتمع الإسلامي منذ أوائل القرن الثاني، وبلغت عنفوانها في عصر الجاحظ وأعني بها تدافع العنصرين العربي والأجنبي على التأثير في الحياة مما أنتج تلك الخصومة العنيفة بين العرب والشعوبية، تلك الخصومة التي جعلت تمتد وتنتشر وتغمر الجو هنا وهنا حتى لم يخلص من سطوتها ذانك الحيوانان المسكينان، لأن إحداهما كان يضاف إلى العرب والآخر كان يضاف إلى العجم. فالعرب كانوا في نظر الفرس قوماً جفاة غلاظاً رعاة إبل وغنم؛ الكلب أصدق أصدقائهم، وألصقصاحب بهم، وأعز رفيق لديهم، وهو ما هو ضعة شأن وهوان منزلة وخبثاً ولؤماً وقذراً ودناءة. والفرس في نظر العرب كانوا قوماً أنباطاً أصحاب قرية، قد أخذتهم طبيعة حياتهم بالاستكانة والذلة، فلا كرم ولا نجدة ولا أريحية، كل ما لهم الدجاج والديكة، تمثل ضعفهم، وتبرز بخلهم وضيق حياتهم. وهكذا أخذت الخصومة بين العرب والشعوبية مظهراً طريفاً من الخصومة بين الكلب والديك والتنابذ بينهما.
وهنا يجئ دور المتكلمين الذين أشار إليهم الجاحظ، ونحن نعرف عنهم أنهم لم يساهموا في هذه العصبية، وإن نسب المسعودي إلى طائفة منهم شيئاً منها، فرد عليه الأستاذ الكبير أحمد أمين في الفصل الذي كتبه عن الشعوبية في كتابه (ضحى الإسلام)، فأرادوا أن يحولوا تيار هذه الخصومة العصبية إلى ناحيتهم، وأن يصبغوها بصبغتهم، وأن يجعلوا من هذه المناظرة سبيلاً من سبلهم إلى بيان حكمة الله في المخلوقات، ودقائق صنعه في الكائنات. ثم جاء الجاحظ فأخذ هذه المناظرة وجعلها باباً في كتابه، فأفاض فيها وتدفق، وجمع فيها بين الكلام والحكمة والأدب على طريقته.
هذه صورة المسألة كما ثبتت لدينا، ولا تكلف فيها ولا تعسف، وإن بدت في أول الأمر غريبة. فأما أن الشعوبية كانت تعيّر العرب باتخاذ الكلاب فأحسبه مما لا نزاع فيه، فقد كانت لا تفتأ تتجنى على العرب المساوئ والمعايب، ولعل في هذا القول الذي يرويه الجاحظ عن بعض المتعصبين على العرب ما يدلنا إلى أي حد كان تجنبهم. قال الجاحظ: (وزعم لي سلمويه وابن ماسويه مطيّب الخلفاء أنه ليس على الأرض جيفة انتن نتنا ولا