فهز السائق رأسه موافقاً، وصمت المساعد لحظة كأنما يستعرض في ذهنه صوراً باهتة يحاول بروزها ووضوحها وغير من نبرات صوته وهو يقول:
(كان سائقاً للقطار ٧٢. . . أنزلوه. . . بعض الأحيان تتحكم الأقدار. . .)
فلم يقل السائق شيئاً وأخذ يتمثل في مخيلته صورة حادث توفيق كما سمعه من رفاقه. . . ثم وضع يده على جبينه يتفرس في الطريق، يستشف الحجب، ما وراء الغيب، ما في بطن الأقدار فقال المساعد وقد طاب له أن يجد ما يتحدث فيه:
(كان خارجاً من ورشة سوهاج. . . ليوصل القطار إلى الأقصر. . . كانت السرعة أكثر من اللازم، وكان العامل يتخطى القضبان. . . توفيق نفسه لا يدري كيف مات الرجل. . شهد عليه عامل (البلوك) و (اثنان من الخفراء)
فقال السائق وقد حز في نفسه الأسى على صاحبه
(سيئ الحظ. . . وكان عليه أن يحاذر)
فقال المساعد بصوت وإن:
(يولد كثير من الناس ليموتوا تحت العجلات. . . فما الذي يدفعه الحذر والسائق والكشاف ونور الكشاف؟ مرت على المرء كثير من الحوادث العجيبة التي تبعث على الدهشة والتفكير العميق. . . كنا قد بعدنا عن ديروط وفلاح مسكين، على جملة، ينتظر مرور القطار، ومر القطار وفزع الجمل، ورمى الرجل تحت العجلات. قد يكون مر على هذا الجمل مائة قطار وهو ساكن ثابت ولكنه جفل في هذه المرة لسبب لا نفهمه.)
فقال السائق وقد بدت على وجهه البشاشة:
(ولكن إذا كان الفلاح قد رد الجمل عن الحديد الممر وبعد به عن الشريط أكان يموت؟)
(كان لا يستطيع في تلك الساعة أن يفعل ذلك. . . كان لا بد من أن يموت فمات)