للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومر القطار على حقل كبير من القطن وقد تفتح ونوَّر فتحول المساعد إلى الحقل وراقب السائق مقياس الطريق لحظات ثم أدار المحرك إلى اليسار قليلاً، فقد بدأ الوادي ينحني والشريط يدور، وكان يعرف هذه الطريق أكثر من موضع أنفه من وجهه، وهدأت حركة الآلات نوعاً، ثم أرجع المحرك إلى مكانه بعد ثوان، وارتد عن النافذة ووقف أمام الفرن، وطرفه على الساعة والمقياس، واستمر هكذا مدة، ثم أدار المحرك إلى اليسار مرة أخرى في شدة حتى تعدى الكثير من الدرجات، فقد وصل القطار إلى طريق مرمم واهن لا تزال تجري عليه أيدي العمال في النهار. . ودار بخلده أن أحد العمال قد يكون ترك سهواً بعض الأدوات الحديدية على الشريط، فمد بصره إلى نهاية نور الكشافة وثبت نظره على حديد القضبان. . . وفكر في نفسه أنه بعد نصف ساعة وستمائة سيدخل محطة أسيوط؛ وسره هذا كما سره خروجه منتصراً من الطريق المرمم. . وبعد أن لمح المقياس أدار المحرك بالتدريج إلى اليمين، إلى نهاية ما تتحمله أرض النيل السعيد! وكان يود أن يعوض بتلك السرعة الجارفة ما قضاه وهو سائر ببطء على الطريق الواهن. . وانطلق القطار كالسهم يطوى القرى ويزلزل تحته الأرض.

وقال المساعد:

(النيل عال. . وشديد)

فقال السائق وقد تحول بوجهه إلى النيل فرأى بعض المراكب الشراعية تسير مغالبة التيار.

(أتخاف أن تتقطع الجسور؟)

(لا. . . جسور القطارات هي آخر من يصيبه الأذى دائماً!)

وبقى نظر السائق ثابتاً على النيل وقد راقه هول الليل عند الأفق البعيد.

وأطل المساعد من النافذة وبصره على الأرض الجارية. . .

وخيم صمت عميق.

وقال المساعد بعد دقائق بصوت يرتعش:

(رجل. . .)

(ماذا. .؟؟؟)

<<  <  ج:
ص:  >  >>