نصف الخروف وحدي فضلاً عن غيره من الألوان. . . أين هذه الأيام؟ إيه؟
وتنهدت: فقال: (يظهر أنك كنت قوياً متين الأسر في شبابك!)
قلت:(قوي؟ ولو لم أكن قوياً لما عشت إلى هذه السن. أنا أقول لك. . . كنت أتناول عيدان القصب. . . سبعة وأربطها ثم أتناولها من الطرفين وأضرب بها ساقي، فتنكسر. . . أعني العيدان هي التي كانت تنكسر لا ساقي بالطبع. . . هأ هأ. . . تنكسر ولا تبقى قشرة واحدة تصل قطعتي عود. . . فهل تستطيع الآن - وأنت شاب - أن تصنع هذا؟)
فهز رأسه وابتسم، فقلت:(على الرغم من ضعفي الظاهر وشيخوختي العالية، لا أزال محتفظاً ببعض القوة، ولولا أن الدخان قطع نياط قلبي لما رأيتني أنهج. . . أحذر يا بني أن تعتاد التدخين! إنها نصيحة شيخ مجرب. . . نصيحة لوجه الله. نعم لا تزال في قوة باقية. . . هذه يدي. . . اقبض عليها. . . احتفظ بكل قوتك وانظر)
وفتحت له كفي، ومددت إليه ذراعي فتناول يدي كما يفعل المرء عند المصافحة، ثم قبض عليها وقبضت على يده، وضغط وضغطت. ثم بدت عليه الدهشة، وقد نسيت أن أقول إني كنت وما زلت قوي الذراعين جداً إذا اعتبرنا ضآلة جسمي، وكل قوتي في يدي، فلا عجب إذا كان قد دهش، فقلت له:(أرأيت؟؟ ألم أقل لك؟؟ وتصور كيف كنت خليقاً أن أكون لولا فعل الدخان الملعون؟؟ لقد خرب صدري من سوء تأثيره. . .)
وسحبت يدي وفركتها فقد كانت ضغطته قوية لا رفق فيها قبحه الله؛ وجاء في هذه اللحظة واحد آخر من إخواني وكان كثير العبث، فوقف ينظر إلينا ويعجب، ثم سأل صاحبه بصوت عال كأنما كان قد وثق أني أصم.
(من هذا الرجل الفظيع؟
قال: (هذا شيخ يستريح. . . اسمع. . . (لي) أعطه يدك ليمتحن قوتها. . .)
فقلت:(لا يا بني. . . تعبت. . .)
وقال: اللعين الواقف (ماذا تصنع بكل هذه اللحية؟ أليس في بيتك مقص؟ أو مخرطة؟ أو منشار؟)
فخطر لي أن أمازحه - وليتني ما فعلت - فقلت: (لا فائدة. وما غناء المقص؟؟ إنه يتقصف إذا لامسها. . . والمنشار ما حيلته في هذه الخيوط الحديدية؟؟ لا. . . لا تطمع في