يكاد ينطق ناطق أو يعمل عامل إلا بما ترضاه؛ ومن ثم كفت الشعب عن ممارسة شؤون الحكم، وكفت الأدباء عن نقد أحوال المجتمع؛ فعاش أدباء العربية بنجوة عن ذلك المجتمع لا يكادون يشعرون بشعوره أو يعبرون عن خوالجه أو يصفون أحواله، ومن ثم لم تظهر في الأدب العربي القصة التي تدرس المجتمع وتحلل دخائل النفس، وجاء شعر الشعراء ونثر الكتاب أكثره نظرياً لا اتصال بينه وبين حقائق المجتمع والحياة اليومية. أما في إنجلترا فان توطد أركان الديمقراطية صاحبه ظهور القصة الاجتماعية وتعاظم مكانتها حتى طغت على أشكال الأدب الأخرى.
وفي ظل الملكية المطلقة ذوى ضرب آخر من ضروب الأدب، هو الخطابة التي لا تزدهر إلا حيث الديمقراطية والمشاورة وحرية الرأي، فنراها بعد أن بلغت أوجها قبيل الإسلام وفي صدره تخمل تدريجيًا تحت الملكية التي تستأثر بالرأي والفعل، وتبطل كل رأي آخر وكل فعل، على حين ظلت للخطابة في الإنجليزية منزلتها، وأنجب البرلمان الإنجليزي في عهوده القريبة خطباء مصا قع، أمثال والبول وفوكس وبت وبرايت وغلادستون.
وفي نظير ابتعاد الأدباء عن نقد المجتمع والخوض في شؤون الحكم، ترك لهم الملوك عنان العبث مرسلا، يقارفون ضروب المجون في منتدياتهم، ويدونون صنوف الهجر في آثارهم، ويتبادلون فاحش القول في أشعارهم، فامتلأ الأدب بذلك السقاط حتى ظن المتأخرون الذين شبوا على دراسته أن الرقاعة والخلاعة من صفات الأديب، وحتى ترفع ذوو الحسب عن معاطاة الأدب
ولم يكتف الملوك بكف الأدب عن نقد أعمالهم بل اتخذوا رجاله أبواقاً للتمدح بمآثرهم ما صبح منها وما بطل، فكما اتخذوا من مرتزقة الجند أنصاراً لهم على إخضاع الرعية، اتخذوا من مرتزقة الشعراء أعواناً على تضليلها، وقد هبط هذا الارتزاق بالأدب عن مكانته السامية درجات؛ وحسبك أن يهبط الشاعر من قمة الفن والشعور والصدق إلى وهدة الشحاذة والتمليق والكذب، وهذه خلال تنزه عنها الأدب الإنجليزي في أغلب عهوده، لأن الشعب لم يمكن الملكية من ابتزاز ثمار اجتهاده وكده لتبعثرها في مظاهر الأبهة الجوفاء، وتنثرها على المرتزقة من الجند والشعراء.
وفي سبيل استرضاء الحكام واستدرار صلاتهم لم يحجم كثير من الشعراء عن امتهان الفن