نبهت لأن الأجرام السماوية لها نفوس ذوات إدراكات جزئية وإرادات جزئية تصدر عن رأي جزئي. ولا مانع لها عن تصور اللوازم الجزئية لحركاتها الجزئية من الكائنات عنها في العالم العنصري.
إشارة: ولنفسك أن تنتقش بنقش ذلك العالم بحسب الاستعداد وزوال الحائل. قد علمت ذلك فلا تستنكرن أن يكون بعض الغيب ينتقش فيها من عالمه) فالحقائق منقوشة في العالم العلوي وكل من اتصل به أدركها. والمهم فقط هو شرح كيفية هذا الاتصال. وابن سينا يوضح هذا توضيحاً يحاكي فيه الفارابي حذوك القذة بالقذة. فيلاحظ أن بعض المرضى والممر ورين يشاهدون صوراً ظاهرة حاضرة دون أن يكون لها أية صلة باحساساتهم الخارجة؛ ولابد لهذه الصور من سبب باطني ومؤثر داخلي. وإذا بحثنا في قوى النفس المختلفة وجدنا أن المخيلة مصدر الصور الباطنية المختلفة بيد أنه قد يصرفها عن عملها شوا غل حسية وأخرى باطنية. فإذا انقطعت هذه الشواغل أو قلت أثناء النوم لم يبعد أن تكون للنفس فلتات تخلص بها إلى جانب القدس فينتقش فيها نقش من الغيب. وإذا كانت النفس قوية الجواهر تسع الجوانب المتجاذبة، وتستطيع الاستيلاء على الشواغل المختلفة، لم يبعد أن يقع لها هذا الخلس والانتهاز في حال اليقظة. وهذه القوة ربما كانت للنفس بحسب المزاج الأصلي؛ وقد تحصل بضرب من الكسب يجعل النفس كالمجرد لشدة الذكاء كما تحصل لأولياء الله الأبرار. والذي يقع له هذا في جبلة النفس ثم يكون خيراً رشيداً مزكياً لنفسه، فهو ذو معجزة من الأنبياء، أو كرامة من الأولياء. وتزيده تزكيته لنفسه في هذا المعنى زيادة على مقتضى جبلته فيبلغ المبلغ الأقصى.
فالنبوة إذن فطرية لا مكتسبة، وكل ما للكسب فيها من يد أنه يزيد النبي كمالاً على كماله، ورفعة فوق رفعته. وإذا ما حظي شخص بالاتصال بالعالم العلوي تمت على يديه أمور خارقة للعادة من معجزات وكرامات. وهذه الأمور وإن غاب عنا سرها يمكن أن تفسر من هذه الطريق النفسي الروحاني. يقول ابن سينا: (لعلك قد تبلغك عن العارفين أخبار تكاد تأتي بقلب العادة فتبادر إلى التكذيب. وذلك مثل ما يقال إن عارفاً استسقى للناس فسقوا، أو استشفى لهم فشفوا، أو دعا عليهم فخسف بهم وزلزلوا أو هلكوا بوجه آخر، أو دعا لهم فصرف عنهم الوباء والموتان، أو السعير والطوفان، أو خشع لبعضهم سبع، أو لم ينفر