أما سمعت وجهك يقول هذا؟
فضحكت وقالت: وجهي لم يقل شيئاً، وأنا لم أسمع منه شيئاً. . كيف يتكلم الوجه إلا بالفم؟. . ولكن فمي لم يقل هذا فمن أين جئت به؟.
وضحكت ضحكة أخرى وهي تنتظر جوابي فقلت: لا يتكلم من الوجوه إلا الوجه الجذاب، فتكون في كل لمحة من لمحات عينيه عبارة، وفي كل وقدة من وقدات وجنتيه همسة، وفي كل ومضة من ومضات جبينه إشارة.
أما رأيتني أصغي إلى كلام وجهك بشغف؟.
فضحكت مرة ثالثة ثم سكنت وجهها كأنها تتذكر، ثم قالت: لا. . . لم أر. . ولم أعقل ما تقول. .
قلت: آه!! ها هو ذا وجهك عاد يستهتر بإيمانه. . . ها هو ذا يدل ويتجنى.
وسكتت هي تداعب يداً بيد وطرفها يختلس ما يختلس، وسكت أنا ألتهمها بعيني في سكونها الساحر المترنم. . ثم فاجأتني بطرفها ينظر إلى كل أجزائي بكل ألحاظه وقالت: إنك لتنظر إلي بعين الشاعر المليئة بالحب فترى في كل شئ مني شيئين متناقضين.
قلت: وأنظر إليك بهذه العين من ناحية القلب فأراك نشوة للقلب تأخذه بقوتها؛ وأنظر إليك من ناحية العقل فأرى فيك غذاء للعقل ما أحوج العقل إليه!. ثم أنظر إليك بالعين المجردة من الشعر والحب فأراك في أقل درجاتك جميلة عزيزة الجمال.
فرأيتها كأنها تنظر إلي من خلال منظار لتتبين في كلامي حقيقة. . ثم كأنها تقتنع. . ثم رأيتها تفكر. فحدقت فيها ملياً ثم قلت: أنت شاعرة. .
قالت: وهي تمسك وراء شفتيها ابتسامة: وعلى هذا تكون أنت مغنياً. .
فانتفضت في مكاني وقلت: إذن أنت تعتقدين إنني جزء منك يكملك في أي أحوالك - إذن قد تحقق الحلم يا آنستي.
فتأجج خداها وأطرقت، وعجز قلبي عن مقاومة ما فيه منها، وحسبت أنه قضي.
ثم إنّا تفرقنا عاماً لا نملك أن نلتقي، وكان هذا العام مثار الوحي ومجال القلم.
ثم تلاقينا في قصر جميل شيد على جناح النيل بين الخضرة والماء.
وجلست في بهو القصر أضم جوانحي على الأشواق والهموم، وينبعث دخان التبغ من فمي