مختلطاً بدخان كبدي المحترقة.
ومضت أفكاري تصور لي ما سيكون في لقاء ساعة بعد فراق سنة. . . وإني لمضطرب أجر نفسي جراً بين أول دقيقة الانتظار وآخرها، إذ سمعت على الدرج المرمري وقع حذاء الحسناء تتوثب في نزولها كالظبية تتنقل في واديها بين الربى والسهول.
وتلفت فإذا هي مقبلة تتمايد في وشاح فضفاض من حسنها، وأمامها في الهواء نهدان خلقاً ليسبقاها أينما مشت.
وكان وجهها يتلألأ بين ضوء الجبين ووهج الوجنتين حتى حسبته قمراً كحلت عيناه في ليلة التمام.
ووقفت يفصل بيني وبينها بعد خطوتين، وفي عينيها نظرة عتاب كأنها طعنة خنجر، ووقفت أنا وفي عينيّ نظرة اعتذار كأنها دمعة قلب. . . والتقت النظرة بالنظرة فإذا هما في الهواء قطعة من (المغنيزيوم) تشتعل، وإذا هما في كبدي شعلة من الوجد تضطرم.
ثم تقدمت الحسناء وقالت: أهلاً بذاكرنا أهلاً بناسينا
فقلت: وكيف أنساك وأنا ناس بك كل ما عداك؟. .
قالت: ما رأيت من تذكرك إلا ما قرأت من رسائلك؛ فهل كل ما عندك أن ترسل الرسائل؟! كأني بك لا تحب إلا أن تتخيل لتعيش في خيالك
قلت: وكثيراً ما أهرب من لقاء الحقيقة لأظل مفتوناً بالخيال ناعماً بمتعته؛ ولولا أنك فوق تصوره لما بحثت عنك إلا في خيالي بين أحلامي وأوهامي.
قالت: أنت إنسان عجيب. . .
وبدا محياها كأنه مبلول بالخمر، وعربد قلبي كأنه سكير، وصمتنا؛ ثم تنفست وقلت: ويحي. . . ويحي. . . إنك حقاً فوق تصوري وبعد خيالي، فإني لأحس الآن أن كل قطرة من دمي تناجيك وتسبّح لك، وأحسب إن الله تعالى قد خلقك خلقة ممتازة.
فضحكت ضروباً، وانعطفت في ناحية الكبرياء من جمالها وقالت: هكذا أنتم أيها الشعراء كثيراً ما تكفرون. . .
قلت: آه لو كنت رجلاً مثلي وعشقت فتاة مثلك!! إذن لصدقت أنك من خلقة ممتازة.
قالت: أما يزال شيطانك يكفر؟. . إنكم أيها الشعراء لقادرون؛. إنكم تستطيعون أن تصنعوا