وإن المصادر التي نستمد منها صورة حياة هذه الفترة لتندرج تحت أربعة أبواب كما يلي:
(١) القصائد والمقطعات الشعرية التي وإن لم تكن قد دونت في ذلك الحين إلا أنها ظلت محفوظة بالرواية الشفهية، ثم كتب معظمها بعد ذلك بقرنين أو ثلاثة قرون، وهي في الحقيقة الأثر الوحيد الذي بين أيدينا عن تأريخ العصر السابق للإسلام، وتتضح أهميتها من القول المأثور (إن الشعر ديوان العرب وجامع شتات المحاسن التي سلفت لهم) وسيرى القارئ في الفصل التالي بعضاً من الشعر العربي في تلك الفترة
(٢) الأمثال وهذه أقل قيمة من الشعر، إذ قلما تفسر نفسها بينما يكون الشرح المرفق بها من عمل الأدباء الذين يدأبون على تفسيرها، ولو أنه في حالات عدة يؤتى بمعانيها ومقصودها على سبيل الحدس، كما نسيت الظروف التي بعثتهم على إرسالها، وبالرغم من هذا فقد كنا نخسر شيئاً جسيماً لو لم تكن بين أيدينا المجاميع الشهيرة للمفضل بن سلمة (المتوفى حوالي ٩٠٠ م) والميداني (١١٢٤م) التي تضمنت إشارات عجيبة وأخباراً تلقي بصيصاً من النور على كل جوانب الحياة التي سبقت ظهور الإسلام.
(٣) الأخبار والأقاصيص: لما لم يكن للعرب الوثنيين - على العموم - معرفة بفن الكتابة الخطية واستعمالها فقد كان من المستحيل أن تقوم للنثر - باعتباره فناً أدبياً - قائمة فيهم، ومع ذلك فان بذور النثر الأدبي يمكن إرجاعها إلى عصر الجاهلية، وعدا المثل والخطبة نجد عناصر التاريخ والقصة في القصص النثري الذي كان يقدمه الحفاظ والرواة لتوضيح موضوع أغانيهم، وفي القصص التي تعدّد مآثر القبائل وأبنائها. وإن العدد الوفير من هذه القصص (التي يرجع بعضها إلى أصل حقيقي والآخر يحمل طابع الخرافة) لمثبوت في ثنايا المؤلفات الأدبية والتاريخية والجغرافية التي وضعت أيام الدولة العباسية وخاصة في كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني (٩٦٧م) وهو مجموعة ثمينة قامت على دراسة الشخصيات الأدبية الكبيرة في القرنين الثاني والثالث للهجرة. وقد ضاعت الكتابات الأولى لهؤلاء الأدباء والنقاد دون استثناء، ولولا اقتباسات الأغاني الكثيرة لما كان في متناول أيدينا نماذج من آثارهم. ويقول أبن خلدون عن هذا السفر: (إن أبا الفرج جمع فيه أخبار العرب وأشعارهم وأنسابهم وأيامهم ودولهم، وجعل مبناه على الغناء في المائة صوت التي