حافظ إبراهيم، وكانت حياته الاجتماعية أغنى ما تكون حياة، كل ليلة، يغشى جمعا أو يغشى بيته جمع، فيملاْ المجلس بأحاديثه العذبة، وفكاهته الحلوة، وهى في كثير منها تفوق ما دونه الأقدمون من ملح ونوادر، ولعلها أن جمعت ودونت أفادت تاريخ الاجتماع اكثر ما يفيده ديوانه، ومع هذا لم ينشط أحد لتدوينها، ولم يلتفت لقيمتها، وسيعفى عليها الزمن الذي عفى على ملح المويلحي والبابلي، وفي ذلك خسارة لا تقدر. ولقد حدثت بعض الأدباء في ذلك ورجوته في هذا العمل، فاعتذر بأن أكثر النوادر إنما تحسن ذا أديت باللغة العامية، وتفقد قيمتها إذا حكيت باللغة الفصحى، ولكن ما هذا الكبر على اللغة العامية، والسابقون من أعلام الأدب لم يكونوا يتحرجون من ذكر النادرة الحلوة باللغة العامية، إذا لم يحسن الأداء إلا بها، كما فعل الجاحظ في البيان والتبيين، وابن زولاق في أخبار سيبويه، والابشيهي في المستطرف. أن في ذمتنا للجيل القادم عهداً أن نسلم إليه تاريخه كاملاً متصل الحلقات كما تسلمناه، فاذا نحن لم نفعل فقد أضعنا الأمانة وخنا العهد، وفينا بحمد الله رجال شهدوا الجيل الماضي، وكان لهم من المنزاة ما استطاعوا معها أن يخالطوا البيئات المختلفة، ويطلعوا على خفاياها ودخائلها، ولهم من الذكاء وحسن النظر وصدق الرواية وقوة الحافظة وبلاغة اللسان والقلم، ما يمكنهم من الأداء على أحسن وجه، أمثال الهلباوي ولطفي السيد في نوع من الأوساط، والنجار والسكندري في نوع آخر، والسيد محمد الببلاوي وكبار علماء الأزهر في أوساطهم، وهكذا، فهل يشاركوننا في الشعور بما لديهم من ثروة حافلة، وفي الشعور بما عليهم من تبعة، فيقدمون للجيل الحاضر والقادم أثمن عمل تاريخي؟ فأن لم يفعلوا فهل للشبان أن يدركوا قيمة ما عندهم فينشطوا للاتصال بهم، وتدوين ما يأخذون عنهم، قبل أن تضيع الثروة، وتفلت الفرصة، أطال الله في أعمارهم.
العام الدراسي الجديد
مما أملاه علينا أساتذتنا في دروس التربية انه كان الغرض من إنشاء المدارس في مصر أعداد الموظفين الذين تحتاج إليهم الحكومة في دواوينها.
فلهذا أنشئت وعلى هذا كان نهجها. ولقد نجحت مدارسنا في ذلك نجاحا مشكورا.
تخيلت لها الحكومة الموظف الذي ترجوه. فأعدت المدارس للحكومة التلميذ الذي يكون منه ذلك الموظف، تخيلت الأولى في موظفها أن يكون في عمله من غير بصر ولا سمع ولا