ولو أنك قد تعترض عليها بأنها ليست مما له صلة بصيادة المكروب؛ فهو جنديّ كأحسن ما يكون من الجنود، خدم في الغرب في سهوله وجباله أربعة عشر عاماً أو تزيد؛ وكان يطير كبعض الملائكة والريح تعصف والسماء تثلج حتى يحط على فراش المرضى ممن هبطوا تلك البقاع استعماراً واستيطاناً؛ وكان على خلق متين، وجانب ليّن رقيق؛ وكأني بك تقول: ما الرقة وما الخلق الكريم ومكروب الحمى الصفراء وهو إنما يتطلب عبقرية نادرة لاصطياده. أنت على حق، ولكن مع هذا سترى أن العمل الجليل الذي تم كان يتطلب قبل كل شيء خلقاً قوياً وإرادة من حديد. ومع هذا فان ريد قام ببعض صيادة المكروب في عام ١٨٩١، وقام ببعض بحوث متقطعة في أحسن مدرسة للطب في كنف أستاذ هو من غير شك أشهر أساتذة المكروب في أمريكا، وكيف لا يكون هذا الأستاذ هكذا وهو الذي عرف كوخ وخالطه مخالطة الحميم حميمه
وجاء ريد إلى كيمادوس. وبينا هو يدخل مستشفى الحمى الصفراء مرّ به عدد كبير من شباب الجند الأمريكي خارجاً منه محمولاً على الأعناق. . . فاطمأن ريد إلى أن العمل لن يعوزه، وأن المرضى الهالكين كثيرون. وكان مع ريد الدكتور جيمس كارول ولم يكن ممن يوصف بالرقة تماماً، ولكنك ستجد بعد قليل انه نعم الجندي الباحث كان. ووجد ريدُ جس لازار في انتظاره، وكان صياد مكروب متدرّب تدرب على صيادتها في أوربا. وكان له من العمر خمس وثلاثون سنة، وكان له زوجة وطفلان خلّفهما وراءه في الولايات المتحدة، وكانت تبدو في عينه نُذُر الموت. وكان رابع الثلاثة أرستيدس اجرامونتي وكان كوبياً، وكان عمله قطع جثت الأموات. وأحسن عمله إحساناً كبيراً، ولكن اسمه لم يذع لأنه كان أصيب بالحمى فتحصّن منها فخلا عمله من المخاطر. فهؤلاء الأربعة هم (بعثة الحمى الصفراء)
وكان أول ما صنعته البعثة أن عجزت عن إيجاد المكروب في الحالات الثماني عشرة الأولى التي فحصتها، وكان منها حالات غاية في السواء، ومات منها أربع. ولم يتركوا حالة من تلك الحالات إلا ضبعوا وأوغلوا فيها فحصاً وتنقيباً، فمن ابتزاز دم إلى تزريع مكروب إلى تشريح جثث. وكثرت زريعات المكروب حتى لم يحصرها عدٌّ، ولكنهم لم يجدوا في أيها بشلة واحدة. وكان الوقت صيفاً، والشهر يوليو، وهو أسوأ الشهور لهذه