قال: إذن فأنت تلبسين مسوح الراهبة إمعاناً في الأنانية؟
قالت: وهل يمكن لإنسان أن يتحرر من الأنانية؟. . . ولكن يمكن تحديد الأنانية وتوجيهها إلى طريق مستقيم، فهناك فارق كبير بين إنسان يقتل إنساناً ليسعد نفسه، وبين آخر يعرف كيف يمتع نفسه في حدود الخير والفضيلة دون أن يلجأ إلى الشر أو الرذيلة
فهز رأسه وهو يتمتم ويقول: هيه؟؟. . . وأخيراً قالت: سأعيش هنا حتى نهاية أيامي، فقال: ألا تشعرين بوحشة الوحدة؟
قالت: قلبي عامر
قال: بمن؟
قالت بنغمة حارة: بالحب!
فعاد إلى تهكمه ضاحكا وقال: وأين ذلك الحبيب؟
قالت: إنه معي
قال: ولكني لم أره، قد جئت هنا كثيرا
قالت: يخيل إليّ أنك تتغابى لتستدرجني
فتلفت الشاب يمنة ويسرة كأنه يفتش عن ذلك الحبيب، ولكنها لم تدعه في حيرته وقالت: أيمكنك أن ترى الله؟ من أجل الله جئت هنا، ومن أجله أعيش، ومن أجله أحب العالم كله!
قال: قد يكون ذلك صحيحاً، ولكن لا بد لك من تحديد هذا الحب وتركيزه
فلم تفهم ما يعنيه وقالت: إنني أحب كل كائن لأنني أرى فيه سمة من سمات العظمة الإلهية، فأنا أحب الكائنات كلها لأنها تكون في مجموعها القوة الجليلة الهائلة والجمال اللامحدود، أعني أحب صورة الله منوعة الرسوم
كانت تتحدث وكل خالجة فيها تعبر بوضوح عن صدق إيمانها، وكان في التماع عينيها واختلاج شفتيها معنى صريح لعواطفها الصادقة
فغمغم الشاب بلهجة المريب: لقد دفعك الحرمان إلى ذلك
فتندت عيناها وتمتمت بصوت خفيض: أجل. هو الحرمان الذي قربني إلى الله، وهو الذي فتح قلبي للحب السامي، وهو الذي أودع في قلبي عاطفة هائلة هي على قدر غموضها عميقة عميقة