وأحس الشاب أن كلماتها تنزلت على قلبه فتمنى لو يعانق جسمها اللدن ليبثها الحرارة التي في كيانه، ولكن بقية من كبريائه دفعته للصمت، وكان شعورها قد فاض بها فازداد اضطرابها
ولما أحس بحنينه يشتد خاف أن يفتضح أمره فانسحب وقد حياها على عجل وانصرف
ومرت بها الأيام وهي تتجنبه بقدر ما تتمناه، فقد أدركت من المرات التي لقيته فيها أن في التماع عينيه حكاية، وعلى شفتيه طابع الرغبة الجامحة؛ ولعله ظن ذلك التجنب زهداً فاحترم مشيئتها وراح يمر بها هادئاً ويعرض عنها صامتاً
وقد فسرت هي تصرفه بالخشونة والجمود فاكتفت أن تنظر إليه من بعيد عندما يجيء ويجلس هناك على صخرة وسط الرمال كأنه يحدثها بسرائر نفسه ليرفه عن صدره عبء خواطره الثقيل
وفي أمسية قمرية ساجية أحست بشعور قوي جارف يدفعها إليه. . . لتراه ثم تعود، ولما جاءته وكان قد أخذ مجلسه على الصخرة، نظر إليها نظرة خاطفة، ثم أشار إليها بيده لتجلس فامتنعت واتجهت خلفه لتعود، فانتصب في هدوء وقال لها في رفق: أجلسي يا طيفي الهارب. . . فامتنعت. . .
فعاد يقول بصوت حزين: أنا مريض
فتمتمت: لا أظن
قال: صدقيني
قالت: لست مريضاً. . . ولكنك حالم - أجل - إن ما بك هو حلم عميق وهو الذي أورثك هذا الجمود