الاختلاف لاستحال على الأذن أن تصل بينهما وهما متباعدان متنافران. فأساس (التناسق) في الموسيقى والفن كأساس التناسق في الحياة والكون: ائتلاف بين الأجزاء لا كل الائتلاف واختلاف بينهما لا كل الاختلاف. ملاحظة أخرى داخل القوسين: كلامي عن المصرية والعربية في رسالتي الأولى ليس ألا رغبة مني في فرز خصائص أمم هذا العالم العربي الذي أخشى انحلال آدابه إنما الحب والتضامن في اختلاف ما عندنا عما عند إخواننا الجيران بعض الاختلاف. إن التشابه مضمون باللغة الواحدة والتراث الواحد. فليبحث كل منا عن شخصيته المميزة في ماضيه الطويل بأكمله. المصري في مصر القديمة وما بعدها من عصور. والسوري في فينيقيا وما بعدها. والعراقي في بابل وما بعدها وما قبلها من تواريخ الخ الخ. . . كل يستخرج من بطن الأرض التي يحيا عليها كل محاسن طبيعتها وكل كنوز ماضيها. أن الفن أبن الأرض. الولد للفراش والفن للأرض. أني أقول بالمصرية والعراقية والسورية الخ الخ لا للانفصال بل للاتصال، لا للتعصب بل للحب. أن اليوم الذي تزهو فيه لكل منا شخصية قوية هو اليوم الذي يكثر فيه التعامل بيننا والارتباط. أما فناؤنا جميعا في شخصية العرب الغابرين فأمر لا يمكن أن يكون، لأنه مخالف لطبيعة الأشياء. أن لكل ارض صفات من التاريخ سابقة على عهد العرب. ماذا نفعل بهذه الصفات؟ أنمزقها كما يصنع البرابرة المتوحشون أم نطالعها ونستخرج منها ما يفيد الإنسانية؟ لا بد أن يكون لكل ارض لون. ولكل ارض اسم ورسم وجسم. ولقد كان الأمر كذلك حتى أيام دولة العرب. فكانت الشام غير العراق غير مصر غير الأندلس. والفن والشعر والأدب اظهر دليل على وجود الفروق الجلية، وعلى صدق ذلك القانون: تشابه بين تلك الأقطار لا كل التشابه. واختلاف بينهما لا كل الاختلاف. فكيف يكون الأمر غير ذلك؟ ونغضب إذ تكون هناك مصر وهناك شام وهناك عراق؟ مثل ما كانت دولة العرب أمس. ينبغي للعالم العربي اليوم أن يكون:(وحدة شاملة وكتلة بنيان في شئون السياسة والذود والدفاع، وشخصيات منوعة الألوان في شئون الفن والخلق والإبداع.) جملة القول عندي أن أسلوب الله في صنع الكون هو وحده منبع الفن، هو وحده مصدر ذلك الإدراك الإنساني للجمال منذُ مبدأ الأجيال. أما نقاد القرن التاسع عشر فلا احسبهم رفعوا أبصارهم إلى هذا الأسلوب مستلهمين. إنما هم قد خروا أمام تمثال العلم ساجدين، أنظارهم