للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

خاشعة ترنو في رجاء إلى شعاعين من الكهرباء صادرين من عدسات عينيه الجامدتين. القرن التاسع عشر قرن تأليه العلم. فلقد بهر العلم العالم بانتصارات حاسمات متواليات، فاذا الأدب والفن والفلسفة كلها تهرع إليه تقرى له بالغلبة والسلطان. وإذا كل شئ يطلب إلى العلم تفسيرا. وإذا العلم في نشوة الظافر وبسمة الواثق لا يأبى أن يقضى فيما يعنيه وفيما لا يعنيه. وإذا العلم وهو علم المادة يريد أن يتحدث في شئون الروح. وإذا سئل عن الروح قال دونكم هذا الطريق وأشار إلى عين الطرائق التي أدت إلى الفوز في شئون المادة: التحليل والتركيب والتجربة والقياس والاستنتاج والاستقراء الخ. بهت العالم لنظرية النشوء والارتقاء. وآمن الناس أن أصلنا من ماء وخلايا حية وحيوان ظل يسمو في المرتبة على مدى الأزمان حتى بلغ القرد جد الإنسان! نظرية جميلة، خلب جمالها اللب على الرغم من بشاعة ذلك الجد الغول. أما صدقها فجائز من حيث المادة والأجسام. وهنا تبدو قضية: أتصدق هذه النظرية على الروح أيضا وشئون الروح؟ الإحساس بالجمال: أيخضع أيضا للنشوء والارتقاء؟ نعم، نعم، نعم. كذلك قالت المدرسة الإنجليزية (سبنسر، جرانت الن، رسكن). وكان لا بدلهذه العقول التي فتنتها نظرية التطور في المادة أن تبرز للإنسان نظرية التطور في الجمال.

وعجب الناس لنظريات علم طبقات الأرض وعلم الحيوان وعلم الحياة وأبحاث (لامارك) في تأثير البيئة والمناخ وظروف الحياة على طبيعة الأجسام، فقامت المدرسة الفرنسية (هيوليت تين) تخرج للفكر والأدب نظرية للجمال والفن: الوحي فيها والإلهام مقاييس الحرارة وموازين الأحجام! بل إني لأرى إصبع العلم قبل ذلك بقرن يقود المدرسة الألمانية إلى نظريتها في الجمال. ولم يكف العلم هذا التوجيه والتأثير بل تناول بيديه في هذا العهد الحديث جسم الجمال: واعمل فيه المشرط والمسبار (علم النفس الحديث) قضى الأمر، وخرج الجمال من حدائق الفلسفة إلى معامل العلم. .! لست ارزى على طرائق العلم. فهي وسائل البشرية التي لا تملك غيرها. واذكر يوم كنت ارصد وقتا للتفكير في هذه المسائل أني بسطت أمام نفسي هذا السؤال الساذج: الحيوان ما علمه بالجمال؟ حصان بين مهرتين أحدهما جميلة مليئة شهباء والأخرى قبيحة هزيلة عرجاء، إلى أيتهما يميل؟ ما ترددت يومئذ أن أقول في ثقة واقتناع: (إلى الجميلة يميل، ما وجه الترجيح؟ لست أدري، وحبذا

<<  <  ج:
ص:  >  >>