للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

التجربة فهي الحكم الفصل!). لكنى يومئذ كنت أفكر تفكيرا صرفا في قهوة صاخبة اعتقدت أن آوى اليها للتفكير الهادئ، فأين لي بالخيول والأفراس أجري عليها التجاريب؟ فهاأنذا أقر بأن التجربة وسيلة بشرية طبيعية للوصول إلى المعرفة. واقر باني شعرت يوما بالحاجة إلى ممارستها في شئون الجمال. غير أني على الرغم من هذا لا احب أن اعتقد ببساطة أن نظريات العلم في شئون المادة تصدق دائما في شؤون الروح. لا شيء يستطيع أن يقنعني بأن إحساس الجمال وليد تطور ونشوء. بي رغبة أن أصيح بغير دليل في يدي أن إدراك الجمال ولد كاملا في قلب الإنسان منذ رفع بصره وبصيرته إلى أسلوب الله فرعاه. إني أخشى أن نقع في الغلط إذ نطبق نظرية المادة في مسائل الروح، وهل يستطيع الدكتور أن يجيز قول رسكن وجرانت الن في الإلياذة: (. . . ما كان يعنى الأقدمون بالطبيعة ولا بجمالها ألا حين يتصلان بعيش الإنسان. ففي الإلياذة ما كان يوصف منظر طبيعي لذاته، بل لنفعته للإنسان، كان يكون مكانا خصيبا يفيض بالحنطة أو تكثر فيه الجياد. ما كانت الطبيعة سوى إطار للحوادث والاشخاص، لا انها لذاتها محل للوصف. أن الطبيعة لم تحب لذاتها ألا في العصر الحديث، حيث استيقظ الإحساس بها، إحساس صافي خالص لا تشوبه شائبة النفع أو المصلحة. . .) ماذا أقول في هذا الكلام؟ اهو جهل بمشاعر الأقدمين؟ أم تورط في تطبيق نظرية التطور والنشوء؟ أنصدق حقا أن الشعور الرفيع بجمال الطبيعة لم يعرفه القدماء خالصا لدنوهم من الحيوانية؟ أنصدق أن (هومير) لم يحس جمال الطبيعة لذاتها؟ أهذا رسكن يقول هذا الكلام أما أنا فقد مضى كلامي في الطبيعة والقدماء. ورأيي الذي أبديته في رسالتي الأولى أن الأقدمون كانوا أقرب منا إلى الطبيعة والى فهمها. لقد كان الأقدمون يحسون إنهم جزء من الطبيعة ونغم من أنغامها. أما رسكن وألن أو الإنسان الحديث فلا يحس ألا ذاته الآدمية منفصلة عن الطبيعة وعن كل شئ. دليلي فن القدماء من مصريين وإغريق. أهذا فن قوم لا يحسون الطبيعة لذاتها ولا يدركون قوانينها وأساليبها؟! إلى هذا الحد يصل الانقياد إلى النظريات؟ من اجل هذا لا أريد التمكين للعلم حتى يجلس على عرش النقد دون شريك. احب طرائق العلم. لكنى أخشى نتائج العلم. فلنرتفع بالروح قليلا. لست أريد أن أضع الروح تحت مبضع العلم، رهبة منى أن يشقها فيجدها غلافا أجوف. وإني لا أنسى يوم شاهدت تشريح جثة آدمي

<<  <  ج:
ص:  >  >>