للمرة الأولى. أي قلق يومئذ مزق إيماني بقيمة الإنسان! كلا. أني كرجل من رجال الروح لا أريد أن افجع في خير ما أعيش به وله. يريح نفسي دائما أن أقول أنى عقل العلم لا يكفي. ولا بد دون إدراك الجمال والروح من العودة إلى القلب. أريد ألا يخرجني العلم من ذلك الإيمان الذي كان يضيء في قلوب المصريين القدماء إيمان قربهم من الخالق، فإذا هم ببصائرهم العميقة العجيبة أول آدميين استطاعوا فهم أسلوب الله والنفوذ إلى قوانين إبداعه. أن أقصى العلم الإيمان. احب ذلك العلم المؤمن الشاعر الذي عرفه أيضا الفلكيون العظام في القرنين السادس عشر والسابع عشر: كوبرنيك، وجاليليه وكبلر، آخر قطرة من ذلك العلم الممزوج بالإيمان كانوا ينظرون إلى الكواكب كما نظر اليها من قبل المصريون الأقدمون. لا بعين العقل، بل بعين القلب أيضا. كانت السماء والنجوم في نظرهم مخلوقات حية. كانوا أيضا يحسون في كتلة النجوم وفي هذا الكون بأكمله الروح الخالقة ويد المبدع الأعظم. ما أروع هذه العبارة من كبلر، فيها تلخيص جميل لكل ما يملأ نفسي:(. . . كل الخليقة ليست إلا سمفونية عجيبة في مجال الروح والأفكار كما هي في مجال الأجسام والأحياء. كل شئ متماسك مرتبط بعرى متبادلة لا تنفصم. كل شئ يكون كلا متناسقا. أن الله قد خلقنا على صورته، وأعطانا الإحساس بالتناسق. كل ما يوجد حي متحرك، لأن كل شئ متتابع متصل. كل كوكب وكل نجم أن هو ألا حيوان ذو نفس. أن روح النجوم هي سر حركتها، وسبب ذلك الحب الذي يربط بعضها إلى بعض وتعليل ذلك النظام الذي تسير عليه الظواهر الطبيعية. .) أولئك رجال ساروا في بيداء العقل دون أن ينسوا دليل القلب. أولئك هم العلماء العظام! أرى الدكتور قد استشف رأيي بعد هذا التمهيد. نعم ولا أخشى أن أجيب ألان عن السؤال فأقول أن التيارات الثلاثة التي ذكرها الدكتور تصدق أيضا في النقد. كما تصدق في الخلق. أما التيار الأوربي في النقد فهو المرتكز على العلم. ولقد وصل إلينا هذا التيار بالفعل وتأثرنا به. وإن بعض كتب النقد التي طهرت في مصر الحديثة تنم على هذا الاتجاه العلمي. وهو أمر لا بأس به، بل هو واجب محتوم، على شريطة أن نقرن به. نظيف إليه عناصر جديدة ووسائل أخرى مستخرجة من أرضنا وتراثنا إذا أردنا أن ننشئ لآدابنا طريقة شخصية كاملة في النقد. فأما التيار المصري القديم فهو النقد المعتمد على الذوق، أي سليقة المنطق والتناسق. وهو عند المصريين القدماء