يبخل بالإرشاد عن طريق الصحف إن كان محباً للإعلان، أو عن طريق الصداقة إن جنح إلى الاحسان، في غير انتقاص لفضله ولا نكران
وأود أن يعلم الصديق الكريم - وأقول هذا من باب الإكبار وأنت خير أهله، ومن باب التقدير وأنت خير موضع له - أنني كنت أنتظر منك ومن زمرتك الصالحة الجليلة أن تكونوا أكثر عوناً لي من الأستاذ مرجليوث؛ فلقد كتب إليَّ - فيما بيني وبينه وبين ربي وربه - ليرشدني إلى أن نسخة شمسية لقسم ناقص من الكتاب لدى المستشرق يهودا، وأن آخر في فلسطين لديه كذا، وأن نسخة مكتبة جلالة الشاه فيها كذا، وهو ليس بعربي، وإن كان للعربية محبا ولها نصيراً؛ وأنت يا سيدي - الكريم البيت، الكريم الخلق، الكريم الماضي والحاضر - تمسك بمعاول هدم، ومقولات إقذاع، وتمهيدات تهكم! ويا ليتك أتيت بجديد، بل يا ليتك لم يفتك ما استدركناه! والله لا أحمل عليك لأنك شخص، ولكنه الإكبار لشخصك، والإكبار لعروبتك، والإكبار لمصريتك، والإكبار لنصفتك العلمية، ومكانتك الأدبية
ثم أود أن تعلم أيها الصديق الكريم، والزميل القديم، أنني - مع إكباري لكل نقد، ورضوخي لكل هدى، وإذعاني لكل ارشاد، وخضوعي لمحجة الصواب - كنت أؤمل منك كثيراً، وكنت أؤمل من (الرسالة) كثيراً، وكنت أؤمل من علماء العربية كثيراً، وكثيراً جداً؛ وليس بعباب ولا نقيصة أن أفتح لكم قبلي جميعاً، لأقول إن مشروع الأحياء أكثر مما أطيق، وأكثر مما أحتمل، وإنه بحاجة ماسة إلى عونكم الأدبي والمادي؛ أما الأدبي فبغير تلك السبيل الشائكة المقذعة المريرة؛ لاسيما وأنتم أعلم مني، وأدرى بطلاسم النساخ ومعميات الكتاب، وأخطاء الأجيال، ومجاهل اللغة، وفيافي الأحاجي؛ وأما المادي، فبأن تتقدموا بالدعاية القوية الحارة المؤمنة، بأن يساهم السراة والأغنياء في أكبر عمل ثقافي أدبي، يخدم لغة القرآن، ويرفع سمعة مصر إلى السماكين، ويحتفظ بزعامتها على الشرق وعلى الناطقين بالضاد
ثم أود أن يعلم سيدي الصديق الكريم - غير معلم طبعاً - أنني ممن لا يحفل كثيراً بمادحة أو ذامه، وأن مراني في هذا الباب كون مني رجلاً لا يخشى إلا الله، ولا يعمل إلا بوازع يخشى الله دون سواه، وأن مدح اليوم قد يكون ذم الغد، لأن معايير الأشياء تختلف بالبيئة،