بكراً عذراء حتى تفقد جاذبيتها، وتحول نضرة خديها، وتنطفئ الجذوة التي تشع من عينيها؛ ألا رحم الله جاريتي الرشيد حين سحبت الأولى على الثانية ذيل التيه وقالت: أنا عذراء. فأجابت الأخرى ما بيننا إلا ليلة
ألا رحم الله زمانا كانت تثب فيه المرأة من أحضان عاشقيها إلى أريكة الحكم! رحم الله عشيقات البلاط الفرنسي في عهد أسرة البوربون - وما عهدهم ببعيد - حين كانت تقيد بأسمائهن التشريفات، وتصدر بأسمائهن الأحكام، وتعنوا أمامهن جباه أهل النفوذ والجاه! كلمة إحداهن مرسوم، وإيماءتها قانون، وأمرها نافذ حتى على الملك نفسه، وهي له خليلة لا حليلة
ألا رحم الله أيام العباسيين، إذا كان يؤهل المرأة لمشاطرة الملك فراشه رشاقة في قد، أو أسالة في خد، أو رأى صائب تبديه، أو بيت من الشعر فصيح ترويه، فتصبح زوجاً لخليفة، وأما لخليفة، كلاهما يتحكم في الرقاب، ويتحدى السحاب!
ألا رحم الله أيام الأندلسيين، حين كان يقف الملك على شاطئ الغدير، وينتقي زوجته من بين حملة الجرار، فيغدق عليها من ألوان النعيم ما لا عهد لها به، فتضيق بذلك كله ذرعا، ثم يعاودها حنينها إلى حمل الجرار، والانزلاق بها في الأمطار، فتخضب ردهة القصر بالحناء تخضيباً، وتمطر سماؤه بدل الماء طيباً، ثم تحمل جرتها وتسير فتنزلق قدمها، فيسري عنها، وتقر عينها، ثم لا تلبث أن تثور على الملك ثائرتها، فتقسم ما رأت معه يوم صفاء، حتى ولا يوم الحناء!
أليس من حق الملك الذي نهاره لشعبه، أن يكون ليله لقلبه؟ قاتل الله السياسة، فإنها ما تركت شأناً من شؤون أصحابها، إلا دست فيه أنفها، لقد أحصت عليهم الحركات والسكنات، فلا يتحرك أحدهم إلا بميقات. ولم تقنع بذلك، بل تركتهم يمرضون حين تشاء لهم المرض، ويشفون حين تسمح لهم بالشفاء، ويأكلون على خوانها، ويشربون من دنانها، ويجوعون ويظمأون إذا ضنت عليهم بالطعام، أو حبست عنهم المدام؛ ثم لم تقنع بذلك، فأرادت أن تعض على قلوب أصحابها بأنيابها، فلا يميلون إلا وفق ميولها، ولا يتزوجون إلا ممن تحوز شرف قبولها
لحا الله شعراء العرب! لقد كان يأرق أحدهم ليلة في سبيل الحب، فيطول به الضجر، من