مائة وخمسين ألف جندي، وهي قوة ضئيلة بالنسبة للوحدات العسكرية الصينية، وبالنسبة لقوات الحكومة المركزية التي تقدر بنحو مليونين؛ وإذا كانت الحوادث لم تسفر حتى كتابة هذه السطور عن حل حاسم للمشكل فانه لا ريب أن حكومة نانكين لن تنزل عند وعيده، ولن تتخلى عن محاربته حتى يلقي سلاحه
هذا من الناحية الداخلية، بيد أن للمسألة ناحية خارجية في منتهى الخطورة. فنحن نعرف أن الصين ميدان للتنافس الخطر بين اليابان وروسيا، وان اليابان تسيطر على منشوريا، كما تسيطر روسيا على منغوليا الخارجية، وأن عوامل الاحتكاك بينهما لا تنتهي، وخصومة اليابان وروسيا خصومة طبيعية وتاريخية معاً؛ وكلتاهما تخشى الأخرى وترقب مساعيها في الصين بمنتهى الغيرة واليقظه؛ وقد ذهبت اليابان في توغلها في الصين إلى حد يثير مخاوف روسيا ويحملها على مضاعفة جهودها لصون أملاكها ومصالحها في الشرق الأقصى؛ ومن جهة أخرى فقد عقدت اليابان أخيراً تحالفاً مع ألمانيا ضد الشيوعية أو بعبارة أخرى ضد روسيا، ومن المرجح أن هذا التحالف الذي يقوم في الظاهر على هذا الأساس، يتضمن تحالفاً سرياً عسكريا بين الدولتين، وان غاية الحقيقة حصر روسيا بين نارين: نار اليابان من الشرق، ونار ألمانيا من الغرب إذا ما وقعت حرب عالمية. ذلك أن ألمانيا الهتلرية تعتبر روسيا البلشفية عدوتها المميتة، وتسعى إلى تحطيمها وسحقها بكل ما وسعت وتعتقد أن تعاونها مع اليابان على هذه الصورة يكون رداً بليغاً على الميثاق الروسي الفرنسي الذي اعتقدت انه موجه ضدها، وانه خطر دائم على سلامتها؛ والظاهر أن حوادث الصين الأخيرة لم تكن بعيدة عن آثار الميثاق الياباني الالماني، وانه يمكن أن نلمس فيها أثرا لإصبع روسيا، وأن الماريشال تسانج هسويه ليانج كان يعول في ثورته على معاونة روسيا الخفية إذا ما ساعدته الحوادث على تنفيذ برنامجه، وأن روسيا ترى في اضطرام هذه الثورة على حكومة نانكين وضد النفوذ الياباني، ما يمكن أن يكون رداً من جانبها على الميثاق الياباني الألماني؛ بيد أن روسيا لم تخرج عن تحفظها إزاء هذه الأزمة ولم يبد منها ما يدل على إنها تتصل بها أو تعلق عليها أهمية خاصة، هذا في حين أن اليابان قد أبدت استعدادها وتحفزها للتدخل إذا ما تطورت الحوادث تطورا يمكن أن يهدد نفوذها أو مصالحها