ومشتمل على خلاصة أبحاث الغزالي ونتيجة دراساته السابقة
وإذا كانت نظرية النبوة الفارابية قد استطاعت التأثير في خصومها من الأشاعرة فهي على هذا أقدر لدى من ينتمون إليها من الإسماعيلية والباطنية. وإنا لنلحظ منذ أخريات القرن الرابع الهجري أن إخوان الصفا الذين لم يبق اليوم شك في أمر اتصالهم بالإسماعيلية يشيدون بذكر قوة المخيلة ويبينون ما لها من اثر في المظاهر النفسية المختلفة، وخاصة في المنامات والأحلام والوحي والإلهام. ويلخص لنا الغزالي في رده على الباطنية معتقدهم في النبوات قائلاً إنهم يذهبون إلى (أن النبي عبارة عن شخص فاض عليه من السابق بواسطة المثالي قوة قدسية صافية مهيأة لأن تنتقش عند الاتصال بالنفس الكلية بما فيها من الجزئيات كما قد يتفق ذلك ليعض النفوس الذكية في المنام حتى تشاهد من مجاري الأحوال في المستقبل إما صريحاً بعينه أو مدرجاً تحت مثال يناسبه مناسبة ما فيفتقر فيه إلى التعبير إلا أن النبي هو المستعد لذلك في اليقظة، فلذلك يدرك الكليات العقلية عند شروق ذلك النور وصفاء القوة النبوية، كما ينطبع مثال المحسوسات في القوة الباصرة من العين عند شروق نور الشمس على سطوح الأجسام الصقيلة). ويضيف الغزالي أن هذه الآراء كلها مأخوذة عن الفلاسفة، وهذه ملاحظة لا تقبل الشك ولا الإنكار وقد تأثر الإسماعيلية بالأفكار الفلسفية في غير موضع، إلا أن نظرية النبوة على الخصوص راقتهم إلى حد كبير وصادفت هوى في نفوسهم. فإنها لا توضح النبوة فحسب، بل تشرح فكرة الإمامة التي قامت عليها دعوتهم، وقد قدمنا أن الفارابي يصرح بان الإمام والنبي والفيلسوف يرمون إلى غاية واحدة ويستمدون تعاليمهم من مصدر مشترك آلا وهو العقل الفعال. وإذا كان بعض الإسماعيلية قد أخذ على عاتقه أن يرد على منكري النبوة فهو في الوقت نفسه يدفع شبهاً يمكن أن توجه إلى الإمامة. فنظرية النبوة الفارابية أساس علمي متين بنى عليه الإسماعيليون كثيراً من تعاليمهم. ولم يزيدوا عليها شيئاً إلا انهم تأولوا بعض النصوص التي سكت عنها الفارابي فقالوا مثلاً إن جبريل هو العقل الذي يفيض على الأنبياء بالمعلومات، وإن القران تعبير عن المعارف التي فاضت على النبي صلى الله عليه وسلم من هذا المصدر
الآن وقد لخصنا في اختصار أثر نظرية النبوة الفارابية في القرون الوسطى الإسلامية،